نعم ، ما ذكرنا من النّسبة إنّما يجري في العلل والمعاليل الإلهيّة لا الفواعل الطّبيعيّة ، فالمعلول الإلهي بالنّسبة إلى علّته هو ما ذكرنا ، والمراد من العلّة الإلهيّة مفيض الوجود ومعطيه ، كالنّفس بالنسبة إلى الصّور الّتي تخلقها في ضميرها ، والارادة الّتي توجدها في موطنها ، ففي مثل هذه المعاليل تكون نسبة المعلول إلى العلّة كنسبة المعنى الحرفي إلى الاسمي.
وأمّا الفاعل الطّبيعي ، كالنّار بالنّسبة إلى الاحراق ، فخارج عن إطار بحثنا ، إذ ليس هناك علّيّة حقيقيّة ، بل حديث العلّيّة هناك لا يتجاوز عن تبديل أجزاء النّار إلى الحرارة ، وذلك كما هو الحال في العلل الفيزيائيّة والكيميائيّة ، فالعلّيّة هناك تبدّل عنصر إلى عنصر في ظلّ شرائط وخصوصيات توجب التبدّل ، وليس هناك حديث عن الايجاد والاعطاء.
وعلى ذلك فالتّفويض ـ أي استقلال الفاعل في الفعل ـ يستلزم انقلاب الممكن وصيرورته واجباً في جهتين :
الاُولى : الاستغناء في جانب الذات من حيث البقاء.
الثانية : الاستغناء في جانب نفس الفعل مع أنّ الفعل ممكن مثل الذّات.
الوجه الرابع : إنّ القول بالتّفويض يستلزم الشّرك ، أي الاعتقاد بوجود خالقين مستقلّين أحدهما العلّة العليا الّتي أحدثت الموجودات والكائنات والإنسان ، والاُخرى الإنسان بل كلّ الكائنات ، فإنّها تستقلّ بعد الخلقة والحدوث في بقائها أوّلاً ، وتأثيراتها ثانياً.
فلو قالت المعتزلة بالتّفصيل بين الكائنات والإنسان ونسبت آثار الكائنات إلى الواجب ، فهو لأجل أنّها لا تزاحم العدل دون الإنسان ، وعلى ما ذكرنا يكون التفصيل بلا دليل.
ثمّ إنّ القوم استدلّوا على المسألة العقليّة ( غناء الممكن في بقائه عن العلّة ) ، بالأمثلة المحسوسة ، منها : بقاء البناء والمصنوعات بعد موت البنّاء والصانع ، ولكنّ