المسألة الرابعة :
في قبح التكليف بما لا يطاق
القول بجواز التّكليف بما لا يطاق نشأ من المسألة السابقة. ولو كانت السابقة منقّحة من حيث الموضوع والحكم ، لما اندفعت الأشاعرة إلى اختيار الجواز في هذه المسألة الّتي يشهد العقل السّليم بقبحه أوّلاً وعدم إمكانه ثبوتاً ثانياً ، إذ كيف يريد الإنسان بالارادة الجدّيّة الركض من الفالج ، والنّكاح من الطّفل الرضيع؟
ولكنّهم لمّا فسّروا القدرة بالعلّة التامّة من جانب ، واعتقدوا بلزوم اقترانها بالمقدور من جانب آخر ، واستنتجوا من عدم الاعتناق عدم القدرة ، فلزمهم عند تكليف الكفّار بالإيمان وعدم اعتناقهم ، القول بجواز التّكليف بما لا يطاق ، وإنّه كان هناك تكليف للكافر ، ولم تكن له طاقة ، وذلك لأنّه لو كانت له طاقة لآمن قطعاً. فبقاؤه على الكفر يكشف عن عدم قدرته ، إذ لو كانت لآمن قطعاً لحديث امتناع الانفكاك. فينتج أنّ التّكليف كان موجوداً ولم يكن هناك قدرة.
غير أنّ الأشعري ومن قبله ومن بعده ، لو فسّروا القدرة الّتي هي من شرائط التّكليف بمعنى العلّة الناقصة والاقتضاء ، لما لزمهم الالتزام بهذه النّتيجة الفاسدة ، حتّى ولو قالوا بلزوم الاقتران. ففي مورد أبي جهل وأبي لهب كان هناك تكليف أوّلاً ، وطاقة بمعنى الاستعداد والاستطاعة على نحو لو أراد كلّ لآمن ثانياً ، وكانت القدرة بهذا المعنى مقارنة للتّكليف ثالثاً. ولكن عدم إيمانه وإصراره على الكفر ، لايكشفعنفقدان الشّرط ، لأنّ الاستطاعة بمعنى الاقتضاء أعمّ من تحقّق المعلول معها وعدمه.
والعجب أنّ هؤلاء استدلّوا بآيات على ما يتبنّونه من جواز التّكليف بالقبيح. وبذلك عرّفوا الإسلام والقرآن مناقضين للفطرة وحكم العقل وإدراك العقلاء ـ أعاذنا الله من سوء الموقف.