بين الأمرين.
وهذا المذهب هو المرويّ عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ويوافقه العقل وتؤيّده نصوص الكتاب ، وهو جامع بين المزيّتين ومنزّهٌ عن شناعة القولين.
فالمعتزلة ، وإن أصابوا في تنزيه الرّبّ عن القبائح ، لكنّهم أخطأوا في تحديد سلطنته بإخراج أفعال عباده عن إحاطة إرادته وسلطنته وملكه ، فصوّروا الإنسان فاعلاً يفعل بارادته ، ويعمل بمشيئته مستقلاً بلا استمداد من ارادته ومشيئته سبحانه.
والأشاعرة ، وإن أصابوا في إدخال أفعال العباد في ملكه وسلطنته ، لكنّهم أخطأوا في جعل أفعال العباد مرادة للّه بالارادة المباشريّة. فصار هناك مريد واحد وهو الله سبحانه وغيره من الفواعل مظاهر إرادته. وهذا يستلزم كونه سبحانه هو المسؤول عن القبائح لكونه الفاعل لها.
وأمّا القول الثالث فهو عبارة عن سعة إرادته لكلِّ ظاهرة امكانيّة ، لكن لا بمعنى كونه سبحانه هو المصدر المباشر لكلِّ شيء ، بل بمعنى أنّه تعلّقت إرادته على صدور كلِّ فعل عن فاعله بما فيه من الخصوصيّات ، فلو صدر عنه بلا هذه الخصوصيّات لزم تخلّف مراده عن إرادته ، فتعلّقت ارادته سبحانه على كون النّار مصدراً للحرارة بلا علم وشعور ، بل عن جبر واضطرار. كما تعلّقت إرادته على صدور فعل الإنسان عنه باختيار ذاتيّ وحرّيّة فطريّة.
وباختصار ، شاء أن يكون الإنسان مختاراً في فعله وعمله. فإذا اختار وفعل فقد فعل بارادته ، كما فعل بارادة الله سبحانه. وليست الارادة الأزليّة منافية لحرّيّته واختياره ، وقد أوضحنا ذلك في أبحاثنا الكلاميّة (١). فلاحظ.
وهناك كلام للشّهيد الأجلّ محمّد بن مكّي ( المتوفى عام ٧٨٦ هـ ) عند بحثه عن تضافر الأخبار على أنّ صلة الأرحام تزيد في العمر ، يقرب ممّا ذكرناه ، قال قدسسره :
__________________
١ ـ لاحظ : الالهيات على ضوء الكتاب والسنة والعقل ، ص ٦٣٢، والجزء الثاني من هذه الموسوعة ، ص ٣٠٢.