باب الحكمة ، وإلاّ فيرجع إلى جوده وتفضّله من دون إيجاب عليه.
واستدلّ القائل بعدم وجوبه بقوله : « لو وجب اللّطف على الله تعالى لكان لا يوجد في العالم عاص، لأنّه ما من مكلّف إلاّ وفي مقدور الله تعالى من الألطاف ما لو فعله به لاختار عنده الواجب واجتنب القبيح ، فلمّا وجدنا في المكلّفين من أطاع وفيهم من عصى ، تبيّن أنّ الألطاف غير واجبة على الله تعالى » (١).
يلاحظ عليه : أنّ هذا المستدلّ لم يقف على حقيقة اللّطف ، ولذلك استدلّ بوجود العصاة على عدم وجوبه ، فهو تصوّر أنّ اللّطف عبارة عمّا لا يتخلّف معه المكلّف عن الإتيان بالطّاعة وترك المعصية ، فنتيجته كون وجود العصيان دليلاً على عدم وجوبه ، وعدم وجوده دليلاً على وجوبه ، مع أنّك قد عرفت في أدلّة القائلين به بأنّه ما يكون مقرِّباً إلى الطّاعة ومبعِّداً عن المعصية من دون أن يبلغ حدّ الإلجاء.
يقول القاضي عبد الجبّار : « إنّ العباد على قسمين ، فإنّ فيهم من يعلم الله تعالى من حاله أنّه إن فعل به بعض الأفعال كان عند ذلك يختار الواجب ويتجنّب القبيح ، أو يكون أقرب إلى ذلك ، وفيهم من هو خلافه حتّى إن فعل به كلّ ما فعل لم يختر عنده واجباً ولا اجتنب قبيحاً » (٢).
ويؤيِّده ما ورد في الذِّكر الحكيم من أنّ هناك أُناساً لا يؤمنون أبداً ولو جاءهم نبيّهم بكلِّ أنواع الآيات والمعاجز.
قال سبحانه : ( وما تُغني الآياتُ والنُذُرُ عَن قول لا يُؤْمنون ) (٣).
وقال سبحانه : ( ولَئِن أَتَيْتَ الّذين أُوتُوا الكِتابَ بكلِّ آية ما تَبِعوا قِبلَتَك ) (٤).
وفي الختام نقول : إنّ اللُّطف سواء أكان المراد منه اللّطف المحصِّل أم اللّطف المقرِّب ، من شؤون الحكمة ، فمن وصفه سبحانه بالحكمة والتنزّه عن اللّغو والعبث ، لامناص له عن الاعتقاد بهذه القاعدة ، غير أنّ القول بوجوب اللّطف في المحصِّل
__________________
١ ـ شرح الاُصول الخمسة : ص ٥٢٣.
٢ ـ شرح الاُصول الخمسة : ص ٥٢٠.
٣ ـ سورة يونس : الآية ١٠١.
٤ ـ سورة البقرة : الآية ١٤٥.