كلاب » (١).
ولا يخفى أنّ التّفريق بين عدم الخلقة والقدم ، كالتّفريق بين المترادفين مثل « الإنسان » و « البشر » فكما لا يصحّ أن يقال : هذا بشر لا إنسان ، فهكذا لا يصحّ أن يقال : « القرآن غير مخلوق ولكن ليس بقديم » لأنّ الشّيء إذا لم يكن مخلوقاً يكون وجوده لذاته ، وما كان كذلك لا يكون مسبوقاً بالعدم فيكون قديماً.
أضف إلى ذلك أنّ ابن الجوزي صرّح بأنّ الأئمّة المعتمد عليهم قالوا : إنّ القرآن كلام الله قديم (٢).
فكما أنّ هذه المحاولة فاشلة ، فهكذا محاولته الثّانية الّتي لا يليق بها أن تسطر. وهي القول بقدم حروف المعجم الّتي هي موادّ كلمة الله ، حيث قال : « وما تكلّم الله به فهو قائم به ، ليس مخلوقاً منفصلاً عنه ، فلا تكون الحروف التي هي مباني أسماء الله سبحانه وكتبه المنزلة مخلوقة ، فقول القائل بأنّ الحروف قديمة ، أو حروف المعجم قديمة ، فإن أراد جنسها فهذا صحيح. وإن أراد الحرف المعيّن فقد أخطأ » (٣).
إنّ القول بقدم موادِّ القرآن ـ أعني حروف المعجم ـ أشبه بالقول بقدم الماهيّات المنفكّة عن الوجود. وهذه الحروف بجنسها ، كما أنّ الماهيّات بنوعها ، ليست إلاّ مفاهيم بحتة معدومة وإنّما تتشخّص بالوجود ، وتتحقّق بالكينونة ، ولا يكون ذلك إلاّ فرداً وهو حادث قطعاً حسب ما اعترف به.
هذه المسائل صارت سبباً لسقوط عقيدة الحنابلة في أعين المفكِّرين والمحقّقين من علماء الإسلام. ولأجل ذلك التجأ الأشعري لتصحيح العقيدة إلى الكلام النّفسي القائم بذاته سبحانه. وقد عرفت في تبيين عقيدة الأشعري أنّ مرجع الكلام النّفسي إلى العلم ، وليس شيئاً غيره.
__________________
١ ـ مجموعة الرسائل : ج ٣ ص ٢٠.
٢ ـ المنتظم في ترجمة الأشعري ، ج ٦، ص ٣٣٢.
٣ ـ مجموعة الرسائل : ج ٣، ص ٤٥.