ولكنّ الإجابة عنه واضحة ، لما عرفت من أنّه يمكن التّعبير عنه بوجه لا يستلزم ذلك الوهم ككونه محدثاً ، أو إنّه غير قديم.
والظّاهر أنّ الوجه في عدم توصيفه بكونه مخلوقاً هو تصوّر الملازمة بين كونه مخلوقاً وكون علمه سبحانه حادثاً.
وهناك وجه آخر لعدم التزامهم بكونه مخلوقاً وهو تصوّر أنّ كلِّ مخلوق فان ، فيلزم فناء القرآن وموته مع أنّه سبحانه يقول : ( إنّا نحن نزّلنا الذِّكر وإنّا له لحافظون ) (١).
الشّبهة الرابعة : إنّ الله سبحانه خلق العالم بلفظ « كن » ، يقول : ( إنّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ( يس / ٧٤ ) ويقولون لو لم يكن هذا ال ـ « كن » قديماً ، لوجب أن يكون محدثاً. فكان لا يحدث إلاّ بـ « كن » آخر. والكلام في ذلك الـ « كن » كالكلام فيه ، فيتسلسل إلى ما لا نهاية له (٢).
وأجاب عنه القاضي : ليس المراد من هذه اللّفظة هو المركّب من الكاف والنّون ، إذ لا شكّ في حدوثه ، فيجب أن يكون المراد هو الارادة (٣).
ثمّ قال : « والغرض من هذه الآية وما جرى مجراها إنّما هو الدّلالة على سرعة استجابة الأشياء له من غير امتناع ، نظيرها قوله تعالى : ( وقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً ) ( فصلت / ١١ ). ومنه قول الشاعر :
وقالت له العينان سمعاً وطاعة |
|
وحدرتا كالدُّرّ لمّا يثقّب |
والّذي يدلّ على أنّ المراد هنا ليس لفظة « كن » ، أنّه ليس في المقام مخاطب ذو سمع يسمع الخطاب فيوجد به ، وعندئذ تصير الآية تمثيلاً لحقيقة فلسفيّة ، وهي أنّ إفاضته سبحانه وجود الشّيء لا تتوقّف على شيء وراء ذاته المتعالية. فمشيئته سبحانه
__________________
١ ـ المغنى : ج ٧، ص ١٢١ وهو أيضاً كما ترى.
٢ ـ شرح الاصول الخمسة : ص ٥٦٠.
٣ ـ المصدر السابق. ولمّا كان القول بالارادة الحادثة في ذاته مستلزماً لحدوث الذات ، التجأ القاضي وأتباعه إلى أنّ للّه سبحانه إرادة غير قائمة بذاته ، وهو كما ترى.