يلاحظ على الجواب الأوّل أنّه احتمال محض يثبت به الامكان لا الوقوع ، ويرتفع به الاستحالة. ولعلّ الغاية هي اثبات الامكان.
وأمّا الجواب الثّاني فظاهره أشبه بالبحث اللّفظي والأدبي ، مع أنّ المسألة عقليّة ، ولعلّ المجيب يريد شيئاً آخر أشار إليه شيخنا المفيد في كتاب « العيون والمحاسن » وهو التّفصيل بين الوعد والوعيد ، وأنّ الخلف في الأوّل قبيح عقلاً والخلف في الثّاني ليس بقبيح عقلاً. والدّليل على ذلك أنّ كلّ عاقل يستحسن العفو بعد الوعيد في ظروف خاصّة ، ولا يعلِّقون بصاحبه ذمّاً. فلو كان العفو من الله تعالى مع الوعيد قبيحاً ، يجب أن يكون كذلك عند كلِّ عاقل.
ولعلّ وجه ذلك أنّ الخلف في الوعد إسقاط لحقّ الغير وإمساك عن أداء ما عليه من الحق ، وأمّا الوعيد فإنّ مآل الخلف إلى إسقاط حقّ نفسه ، ومثل ذلك يعدّ مستحسناً لا قبيحاً إذا وقع الخلف في موقعه.
الثالث : إنّ في جواز ذلك إغراء للمكلّف بفعل القبيح اتّكالاً منه على عفو الله ، فالعقاب ضروري ، لأنّه زاجر عن ارتكاب القبائح ، كما أنّ في العفو تسوية بين المطيع والعاصي وذلك ما لا يتّفق مع العدل (١).
يلاحظ عليه : أنّ الاغراء لازم القول بالعفو قطعاً كما عليه المرجئة ، لا القول به احتمالاً كما عليه الراجئة ، ولو صحّ ما ذكر ، لبطل الوعد بالتّوبة والشفاعة ، وأمّا حديث التّسوية ، فهو يرتفع باثابة المطيع دون العاصي وإنّما يلزم بتسويتهما في الثواب أيضاً.
إلى هنا تمّ الكلام في المسألة الاُولى وثبت أنّ العفو عن العصاة من المسلمين جائز. ولأجل ذلك يقول الصّدوق في تبيين عقائد الإماميّة :
اعتقادنا في الوعد والوعيد هو أنّ من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزه ، ومن وعده على عمل عقاباً فهو بالخيار إن عذّبه فبعدله ، وإن عفا عنه فبفضله ( ومَا رَبُّكَ
__________________
١ ـ المعتزلة : ص ١٥٧، والظاهر منه أنّه نقله عن الجويني في كتابه « الارشاد الى قواطع الأدلّة إلى صحيح الاعتقاد ».