الشِّرك من الذنوب بغير توبة لمن يشاء من المذنبين. ولو كانت سائر الذنوب مثل الشِّرك غير مغفورة إلاّ بالتّوبة ، لما حسن التّفصيل بينهما ، مع وضوح الآية في التّفصيل (١).
وقد أوضح القاضي دلالة الآية على ما يتبنّاه الجمهور بوجه رائع ، ولكنّه تأثّراً بعقيدته الخاصّة في الفاسق قال : « إنّ الآية مجملة مفتقرة إلى البيان لأنّه قال : « ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء » ولم يبيِّن من الّذي يغفر له. فاحتمل أن يكون المراد به أصحاب الصغائر ، واحتمل أن يكون المراد به أصحاب الكبائر. فسقط احتجاجهم بالآية (٢).
أقول : عزب عن القاضي أنّ الآية مطلقة تعمّ كلا القسمين ، فأيّ إجمال في الآية حتّى نتوقّف. والعجب أنّه يتمسّك بإطلاق الطّائفة الاُولى من الآيات ، ولكنّه يتوقّف في إطلاق هذا الصِّنف.
نعم ، دفعاً للاغراء ، وقطعاً لعذر الجاهل ، قيّد سبحانه غفرانه بقوله : « لمن يشاء » حتّى يصدّه عن الإرتماء في أحضان المعصية بحجّة أنّه سبحانه وعد له بالمغفرة.
ثمّ إنّ القاسم بن محمّد بن عليّ الزّيدي العلويّ المعتزلي تبع القاضي في تحديد مداليل هذه الآيات وقال : آيات الوعيد لا إجمال فيها ، وهذه الآيات ونحوها مجملة فيجب حملها على قوله تعالى ( وإني لغفّارٌ لمن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صَالحاً ثُمَّ اهْتَدى ) ( طه / ٨٢ ) ثمّ ساق بعض الآيات الواردة في غفران العباد في مجال التّوبة (٣).
ويظهر النّظر في كلامه ممّا قدّمناه في نقد كلام القاضي فلا نعيد.
إلى غير ذلك من الآيات الّتي استدلّ بها جمهور المسلمين على شمول مغفرته سبحانه لعصاة المسلمين ، وعدم تعذيبهم ، أو إخراجهم من العذاب ، بعد فترة خاصّة.
هذا ، والبحث أشبه بالبحث التّفسيري منه بالكلامي. ومن أراد الاستقصاء في هذا المجال فعليه جمع الآيات الواردة حول الذّنوب والغفران ، حتّى يتّضح الحال فيها ، ويتّخذ موضعاً حاسماً بإزاء اختلافاتها الأوّليّة.
__________________
١ ـ مجمع البيان : ج ٢ ص ٥٧ بتلخيص.
٢ ـ شرح الاُصول الخمسة : ص ٦٧٨.
٣ ـ الأساس لعقائد الأكياس : ص ١٩٨.