د ـ القائلون بجواز العفو أو عدم الخلود ، مرجئة أو راجية؟
قد تعرّفت على عقيدة المرجئة في الفصول السّابقة وأنّ شعارهم أنّه لا تضرّ مع الإيمان معصية ، كما لا تنفع مع الشِّرك طاعة. وقد عرّفناك منهجهم وأنّ هؤلاء بهذا الشعار يغرّون الجهّال بالمعصية واقتراف الذنوب ولا يعتنون بالعمل بحجّة أنّهم مؤمنون في كلِّ حال ، ويعيشون في جميع الأحوال بإرجاء العمل ويقولون : إنّ إيمان واحد منّا يعدل إيمان جبرائيل والنّبيّ الأكرم. هذه هي المرجئة.
وأمّا جمهرة المسلمين القائلون بجواز العفو وعدم الخلود ، فهم راجية ، يعتقدون بالعقاب والثّواب ، يدعون ربّهم رغباً ورهباً ، ولا يتّكلون في حياتهم على العفو والرجاء من دون عمل ، غير أنّهم يبثّون بذور الرجاء في قلوب العباد لما فيه من آثار تربويّة. وقد ذكرنا في محلِّه أنّ في القول بالعفو عن العصاة وخروجهم من النّار بالشّفاعة وغيرها ، بصيص من الرجاء ، ونافذة من الأمل فتحه القرآن في وجه العصاة حتّى لا ييأسوا من روح الله ورحمته ، ولئلاّ يغلبهم الشّعور بالحرمان من عفوه ، فيتمادوا في العصيان.
فالمرجئة من قدّموا الإيمان وأخّروا العمل ، بخلاف الراجية ، فإنّهم جعلوا الإيمان غير منفكّ عن العمل وينادون بأعلى أصواتهم أنّ الإيمان بلا عمل كشجرة بلا ثمر ، لا يغني ولا يسمن من جوع ، ويخافون ربّهم بالغيب ، ومع ذلك يرجون رحمته. فلا ينفكّ الخوف عن الرجاء ، والرّهبة عن الرغبة.
هـ ـ هل الطاعات مؤثِّرة في سقوط العقاب ، والمعاصي مؤثِّرة في سقوط الثّواب ، وهذا ما يعبّر عنه بالإحباط والتكفير.
الاحباط في اللّغة بمعنى : الإبطال ، يقال : أحبط الله عمل الكافر. أي أبطله (١).
والكفر بمعنى « السّتر » و « التّغطية » ، يقال لمن غطّى درعه بثوب : قد كفر درعه ،
__________________
١ ـ المقاييس : ج ٢، مادة حبط ، ص ١٢٩.