« إنّ الحكماء ما نفوا الغاية والغرض عن شيء من أفعاله مطلقاً ، بل إنّما نفوا عن فعله المطلق ( إذا لوحظ الوجود الإمكاني جملة واحدة ) وفي فعله الأوّل غرضاً زائداً على ذاته تعالى ، وأمّا ثواني الأفعال والأفعال المخصوصة ، والمقيّدة ، فأثبتوا لكلّ منها غاية مخصوصة. كيف وكتبهم مشحونة بالبحث عن غايات الموجودات ومنافعها كما يعلم من مباحث الفلكيّات ، ومباحث الأمزجة ، والمركّبات ، وعلم التشريح ، وعلم الأدوية ، وغيرها » (١).
وعلى ذلك فنظريّة الحكماء تتلخّص في أمرين :
١ ـ إنّ أفعاله سبحانه غير متّصفة بالعبث واللّغو ، وإنّ هنا مصالح وحِكَماً تترتّب على فعله ، يستفيد بها العباد ، ويقوم بها النّظام.
٢ ـ إذا لوحظ الوجود الإمكاني على وجه الإطلاق ، فليس لفعله غرض خارج عن ذاته ، لأنّ المفروض ملاحظة الوجود الإمكاني جملة واحدة ، والغرض الخارج عن الذّات لو كان أمراً موجوداً فهو داخل في الوجود الإمكاني ، وليس شيء وراءه ، وعند ذاك فليس الغرض شيئاً خارجاً عن الذات وإنّما الغرض نفس ذاته ، لئلاّ يكون ناقص الفاعليّة ، لأنّ الحاجة إلى شيء خارج عن ذاته في القيام بالفعل ، آية كونه ناقصاً في الفاعليّة ، والمفروض أنّه سبحانه تامّ في فاعليّته ، غنيّ في ذاته وفعله عن كل شيء سوى ذاته.
ثمّ إنّ لهم بياناً فلسفيّاً ممزوجاً بالدليل العرفاني ، يهدف إلى كون الغرض من الخلق هو ذاته سبحانه ، وبه فسّروا قوله سبحانه : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ ) وقوله في الحديث القدسي : « كنت كنزاً مخفياً فأحببتُ أن أُعرف ، فخلقت الخلقَ لكي أُعرف » والله سبحانه هو غاية الغايات ، ومن أراد الوقوف على برهانهم فليرجع إلى أسفارهم (٢).
__________________
١ ـ الأسفار : ج ٧، ص ٨٤.
٢ ـ الأسفار : ج ٢ ص ٢٦٣.