بوجوده الاُخروي من دون أَن يكون للنّفس دور في تلك الحياة في تجلّي هذه الأعمال بتلك الصور ، بل هي من ملازمات وجود الإنسان المحشور.
فلو قلنا بالوجه الأوّل ، كان لما نقلناه من نفاة الحبط ( من أنّ الاستحقاق أو استمراره مشروط بعدم الإتيان بالمعصية ) وجه حسن ، لأنّ الاُمور الوضعيّة ، رفعها ووضعها وتبسيطها وتضييقها ، بيد المقنِّن والمشرع ، وعندئذ يُجمع بين حكم العقل بلزوم الوفاء بالوعد ، وما دلّ من الآيات على وجود الإحباط في موارد مختلفة ، كما سيوافيك.
وقد عرفت حاصل الجمع ، وهو أَنّ إطلاق الإحباط ليس لإبطال استحقاق الإنسان الثّواب ، بل لم يكن مستحقّاً من رأس لعدم تحقُّق شرط الثّواب ، وأمّا مصحِّح تسميته بالإحباط فقد عرفته أَيضاً ، وهو أَنّ ظاهر العمل كان يحكي عن الثّواب وكان جزء علّة له.
ولو قلنا بالوجه الثاني ، وحاصله أَنّ الملكات الحسنة والسيّئة الّتي تعدّ فعليّات للنّفس ، تحصل بسبب الحسنات والسيّئات الّتي كانت تصدر من النّفس. فإذا قامت بفعل الحسنات ، تحصل فيها صورة معنويّة مقتضية لخلق الثّواب. كما أَنّه إذا صدر منها سيّئة ، تقوم بها صورة معنويّة تصلح لأن تكون مبدأ لخلق العقاب. وبما أَنّ الإنسان في معرض التّحوّل والتغيّر من حيث الملكات النفسانيّة ، حسب ما يفعل من الحسنات والسيّئات ، فإنّ من الممكن بُطلان صورة موجودة في النّفس وتبدُّلها إلى صورة غيرها ما دامت تعيش في هذه النشأة الدّنيوية.
نعم ، تقف الحركة ويبطل التّحوّل عند موافاة الموت ، فعند ذلك تثبت لها الصّور بلا تغيير أصلاً.
فلو قلنا بهذا الوجه ، كان الإحباط على وفق القاعدة ، لأنّ الجزاء في الآخرة ، إِذا كان فعل النّفس وإِيجادها ، فهو يتبع الصّورة الأخيرة للنّفس ، الّتي اكتسبتها قبل الموت ، فإن كانت صورة معنويّة مناسبة للثّواب فالنّفس منعّمة في الثّواب من دون