ونحن إذا قرأنا في حياتهم هذه البطولات الفكريّة والعمليّة ، يشكل علينا قبول ما نسبه إليهم أعداؤهم من المجون والانحلال الأخلاقي.
لا أقول إنّ كلّ عالم معتزلي ، عادل لا يعصي ولا يخطا ، غير أنّ الكلام في أنّ تنزيه طائفة خاصّة كالحنابلة والأشاعرة ، ورمى طائفة أُخرى بضدّه ، ممّا لا يؤيّده الإنصاف ، فلو قلنا إنّما حكمهم حكم سائر الطوائف الإسلاميّة حيث في كلّ طائفة ظالم لنفسه ، ومقتصد ، وسابق بالخير (١) لكان أقرب إلى الواقع والحقيقة.
ولأجل إيقاف القارىء على بعض ما رميت به تلك الطائفة نذكر مايلي :
ما زلت آخذ روح
الزقّ في لطف |
|
وأستبيح دماً من
غير مجروح |
حتّى انثنيت ولي
روحان في جسد |
|
والزق منطرح جسم
بلا روح (٢) |
١ ـ روى ابن قتيبة أنّ النّظام كان يغدو على سكر ويروح على سكر ويبيت على حرائرها ، ويدخل في الأدناس ويرتكب الفواحش والشائنات ، وله في الشّراب شعر.
٢ ـ نقل البغدادي عن كتاب « المضاحك » للجاحظ، أنّ المأمون ركب يوماً فرأى ثمامة سكران قد وقع على الطّين ، فقال المأمون له : ألا تستحيي؟ قال : لا والله. قال : عليك لعنة الله. قال ثمامة : تترى ثمّ تترى (٣).
٣ ـ وذكر أيضاً أنّ أبا هاشم الجبّائي كان أفسق أهل زمانه وكان مصرّاً على شرب الخمر وقيل : إنّه مات في سكره حتّى قال فيه بعض المرجئة :
يعيب القول
بالإرجاء حتّى |
|
يرى بعض الرجاء من
الجرائر |
وأعظم من ذوي
الارجاء جرماً |
|
وعيديّ أصرّ على
الكبائر (٤) |
__________________
١ ـ اقتباس من قوله سبحانه : ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ) ( فاطر / ٣٢ ).
٢ ـ تأويل مختلف الحديث : ص ١٨.
٣ ـ الفرق بين الفرق : ص ١٧٣.
٤ ـ المصدر السابق : ص ١٩١.