روى الكشّي عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ، عن هشام ... أنّه لمّا كان أيّام المهدي ، شدّد على أصحاب الأهواء ، وكتب له ابن المفضّل صنوف الفرق ، صنفاً صنفاً ، ثمّ قرأ الكتاب على النّاس ، فقال يونس : « قد سمعت الكتاب يقرأ على النّاس على باب الذّهب بالمدينة ، مرّة أُخرى بمدينة الوضّاح » (١).
وبما أنّ أهل الحديث كانوا يشكّلون الأكثريّة الساحقة ، فيكون المراد من أصحاب الأهواء الّذين شدّد عليهم المهدي ، غيرهم من سائر الفرق فيعمّ المعتزلة والمرجئة والمحكّمة والشيعة وغيرهم.
ولأجل ذلك لم ير أيّ نشاط للمعتزلة أيّامه ، حتّى مضى المهدىُّ لسبيله ، وجاء عصر الرّشيد ( ١٧٠ ـ ١٩٣ هـ ) فيحكي التّاريخ عن وجود نشاط لهم في أيّامه ، حتّى انّه لم يوجد في عصره من يجادل السمنية غيرهم (٢) ومع ذلك لم يكن الرّشيد يفسح المجال للمتكلّمين. يقول ابن المرتضى : « وكان الرّشيد نهى عن الكلام ، وأمر بحبس المتكلّمين » (٣).
نعم ابتسم الدّهر للمعتزلة أيّام المأمون ، لأنّه كان متعطّشاً إلى العلم والتعقّل ، والبحث والجدال ، فنرى في عصره أنّ رجال المعتزلة يتّصلون ببلاطه ، وكان لهم تأثير كبير في نفسيّته.
يقول الطّبري : « وفي هذه السّنة ( ٢١٢ هـ ) أظهر المأمون القول بخلق القرآن وتفضيل عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وقال : هو أفضل النّاس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وذلك في شهر ربيع الأوّل (٤) ولمّا استفحلت دعوة المحدّثين إلى قدم القرآن واشتدّ أمرهم كتب المأمون عام ( ٢١٨ هـ ) إلى إسحاق بن إبراهيم في امتحان القضاة والمحدّثين ،
__________________
١ ـ رجال الكشي : ترجمة هشام بن الحكم ، الرقم ١٣١، ص ٢٢٧. ولعل هذا الكتاب أوّل كتاب أُلِّف في الملل والنحل بين المسلمين.
٢ ـ لاحظ : طبقات المعتزلة ، لابن المرتضى ، ص ٥٥.
٣ ـ طبقات المعتزلة ، لابن المرتضى ، ص ٥٦.
٤ ـ تاريخ الطبري : ج ٧، ص ١٨٨، حوادث سنة ٢١٢.