أحمد بن حنبل ، وسجادة ، والقواريري ، ومحمّد بن نوح المضروب ، فأمر بهم إسحاق بن إبراهيم فشدّوا في الحديد. فلمّا كان من الغد دعا بهم جميعاً يساقون في الحديد فأعاد عليهم المحنة فأجابه سجادة إلى أنّ القرآن مخلوق فأمر باطلاق قيده وخلّى سبيله وأصرّ الآخرون على قولهم.
فلمّا كان من بعد الغد عاودهم أيضاً فأعاد عليهم القول ، فأجاب القواريري إلى أنّ القرآن مخلوق فأمر بإطلاق قيده وخلّى سبيله ، وأصرّ أحمد بن حنبل ومحمّد بن نوح على قولهما ولم يرجعا فشدّا جميعاً في الحديد ووجِّها إلى طرسوس وكتب معهما كتاباً بإشخاصهما.
ثمّ لمّا اعترض على الرّاجعين من عقيدتهم برّروا عملهم بعمل عمّار بن ياسر حيث أكره على الشِّرك وقلبه مطمئنّ بالإيمان (١) وقد كُتب تأويلهم إلى المأمون ، فلأجل ذلك ورد كتاب مأمون بأنّه قد فهم أمير المؤمنين ما أجاب القوم إليه ، وأنّ بشر بن الوليد تأوّل الآية الّتي أنزل الله تعالى في عمّار بن ياسر وقد أخطأ التّأويل إنّما عني الله عزّوجلّ بهذه الآية من كان معتقد الإيمان مظهر الشرك ، فأمّا من كان معتقد الشِّرك مظهر الإيمان فليس هذه له ، فأشخصهم جميعاً إلى طرسوس ليقيموا بها إلى خروج أمير المؤمنين من بلاد الرّوم.
فأخذ إسحاق بن إبراهيم من القوم الكفلاء ليوافوا بالعسكر بطرسوس ، فأشخص كلّ من ذكرنا أسماءهم ، فلمّا صاروا إلى الرّقة بلغتهم وفاة المأمون ، فأمر بهم عنبسة بن إسحاق ـ وهو والي الرقة ـ إلى أن يصيروا إلى الرقة ، ثمّ أشخصهم إلى إسحاق بن إبراهيم بمدينة السّلام ( بغداد ) مع الرّسول المتوجّه بهم إلى أمير المؤمنين ، فسلّمهم إليه فأمرهم إسحاق بلزوم منازلهم ثمّ رخّص لهم ذلك في الخروج (٢).
وما ذكرناه هو خلاصة محنة أحمد ومن كان على فكرته في زمن المأمون وليس فيه
__________________
١ ـ إشارة الى قوله سبحانه ( إلاّ من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ) ( النمل / ١٠٦ ).
٢ ـ تاريخ الطبري : ج ٧، ص ١٩٥ إلى ٢٠٦ بتلخيص منّا.