المؤمنين هو حلال الدم. وقال ابن أبي دؤاد : يا أمير المؤمنين ، كافر يستتاب لعلّ به عاهة ، أو تغيّر عقلي ، فقال الواثق ، إذا رأيتموني قد قمت إليه فلا يقومنّ أحد معي ، فإنّي أحتسب خطاي إليه ، ودعا بالصمصامة ، سيف عمرو بن معديكرب ، فمشى إليه وهو في وسط الدّار ، ودعا بنطع فصير في وسطه حبل فشدّ رأسه ، ومدّ الحبل ، فضربه الواثق ضربة ، فوقعت على حبل العاتق ، ثمّ ضربه أُخرى على رأسه ، ثمّ انتضى سيما الدمشقي سيفه ، فضرب عنقه وحزّ رأسه » (١).
هذه خلاصة القصّة. ومن المعلوم أنّ هذه القسوة من الخليفة كانت مبرّرة عنده ، لا لأجل قوله بخلق القرآن ورؤية الله ، بل لما قام به من الثّورة عليه.
ويقول أيضاً : « أمر الواثق بامتحان أهل الثّغور في القرآن ، فقالوا بخلقه جميعاً إلاّ أربعة نفر ، فأمر الواثق بضرب أعناقهم إن لم يقولوه » (٢).
وقام الواثق بنفس العمل الّذي قام به أبوه في امتحان أسرى المسلمين ، فمن قال إنّ القرآن مخلوق فودي به ، ومن أبى ذلك ترك في أيدي الرّوم وأمر لطالب بخمسة آلاف درهم ، وأمر أن يعطوا جميع من قال إنّ القرآن مخلوق ممن فودي به ديناراً لكلِّ إنسان من مال حمل معهم (٣).
وكانت المحنة مستمرّة ، والضيق على أصحاب القول بعدم خلق القرآن متواصلاً إلى أن وافاه الأجل ومات الواثق عام ٢٣٢.
وقد اتّفقت كلمة أهل السّير على أنّ الخلفاء كانوا يلعبون بحبال عدّة من المعتزلة الّذين كسبوا منزلة عظيمة لدى الخلفاء ، وهم ثمامة بن أشرس وأحمد بن أبي دؤاد الزيّات وغيرهم. وبموت الخليفة وتسنّم ابنه المتوكّل على الخلافة ، غاب نجم المعتزلة وانحدروا من الأوج إلى الحضيض ومن العزِّ إلى الذّلّة ، وإليك هذا القسم من التّاريخ.
__________________
١ ـ تاريخ الطبري : ج ٧، حوادث سنة ٢٣١، ص ٣٢٨، ٣٢٩.
٢ ـ المصدر السابق : ص ٣٣١.
٣ ـ المصدر السابق : ص ٣٣٢.