الصحيح من مذهب السنّة ، فلا بدّ من الوصف بما وصف اللّه نفسه به ، ولكن هذه الصِّفات ليست من صفات الأجسام ، فإنّ الاتيان يذكر ويراد منه الظُّهور. قال الله تعالى : ( فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ القَواعِدِ ) ( النحل / ٢٦ ) وقال ( فَأتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَم يَحتَسِبُوا ) ( الحشر / ٢ ) معناه ـ واللّه أعلم ـ ظهرت آثار سخطه في بنيانهم ، وظهرت آثار قدرته وقهره فيهم ـ إلى أن قال : ـ وكذا الاستواء ليس من صفات الأجسام فإنّ الاستواء هو الاستيلاء على الشّيء والقهر عليه. قال اللّه تعالى : ( ولمّا بَلَغَ أشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وعِلْماً ) ( القصص / ١٤ ) معناه ـ والله أعلم ـ تقوّى حاله بتمام البِنية. واستوى أمر فلان : إذا تناهى ، ومنه المستوي على الكرسي وهو القاعد عليه ، عبارة عن الاستيلاء. فإنّه ( لا ) يقال : استوى على الكرسي ما لم يجلس مستقرّاً عليه ، فالمستقرّ على العرش مستو ، فكان معنى قوله : ( ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرشِ الرَّحمن ) ( الفرقان / ٥٩ ) ـ والله أعلم ـ أى استوى عليه بعد خلقه ، والله تعالى مستول على جميع العالم ، إلاّ أنّه خصّ العرش بالذّكر لأنّه أعظم الأشياء وأشرفها ، ثمّ ذكر تفسير سائر الصفات الخبرية من اليد والعين (١).
وكلّ من كلامي الاُستاذ والتّلميذ يعربان بوضوح عن اختلاف منهجهما مع منهج الامام الأشعري ، فهو يثبت جميع هذه الصِّفات الخبريّة الظاهرة من كونه سبحانه جسماً وذا أعضاء ، ولا يتحرّج من الإثبات ، غاية الأمر يتدرّع بما عرفت ، وهذا بخلاف الدّاعي الآخر وتلاميذ منهجه ، فإنّهم لايخرجون من خطّ التنزيه ، لكن بين مفوِّض غير قاطع بمراد الآية ، أو مفسِّر لها مثل تفسير العدليّة الّذين سمّتهم الأشاعرة بالمؤوِّلة.
ثمّ إنّ الشيخ البزدوي أفاض الكلام في نقد ما استدلّ به الأشعري من كونه سبحانه على العرش من الآيات والرِّوايات في كتابه ، ومن أراد الوقوف فليرجع إلى المسألة (١٤) من كتابه (٢).
__________________
١ ـ اُصول الدين : ص ٢٥ ـ ٢٨.
٢ ـ اُصول الدين : ص ٢٨ ـ ٣١.