أقول : إنّ المعتزلة لم يسقطوا سياسيّاً فحسب ، بل سقطوا فكريّاً ، فلا تسمع بعد أبي هاشم الجبائي ( م ٣٢١ هـ ) في القرن الرابع ، وبعد القاضي عبدالجبّار ( م ٤١٥ هـ ) في القرن الخامس ، مفكّراً قويّاً في المسائل الكلاميّة ، يوازي المتقدّمين منهم مثل أبي هذيل العلاّف ، والنّظام. بل أكثر ما قام به المتأخّرون بعد القاضي لا يتجاوز عن تبيين المذهب وتوضيح صياغته من دون تأسيس قاعدة أو أصل في المجالات الكلاميّة.
والظّاهر أنّه لم يكن لسقوطهم سبب واحد ، بل يستند انحلالهم إلى أسباب متعدّدة أدّت بهم إلى الهلاك والدمار والانقراض إلاّ في نقاط خاصّة كاليمن وغيرها.
وها إليك بيان الأُمور الّتي سبّبت سقوطهم :
١ ـ إنّ مذهب السنّة بمفهومه الحقيقي ، يبتني على عدالة الصحابة أجمعين وإجلالهم ، بل على تعديل السلف من التّابعين وتابعي التّابعين في الأقوال والأفعال ، كيف وهؤلاء عند أهل السنّة عمد المذهب ، الّتي قام عليها صرحه. وجرح واحد من الصّحابة أو ترك قوله ، إخلال في الأساس ، وهو ما لا يقبله المذهب بتاتاً. فلأجل ذلك ترى أنّ أهل السنّة ، يقدِّسون السلف ويكسونهم حلية العدالة الّتي لا تقلُّ عن العصمة في حقِّ النّبي الأكرم والعترة الطاهرة عليهمالسلام عندالشيعة. وما هذا إلاّ لأنّ المذهب مبنيّ على تلك الأُسس من أوّل يوم اجتمعوا فيه لاختيار خليفة للرّسول إلى يومنا هذا.
فمع أنّ كثيراً من المفكِّرين منهم يتلون كتاب الله الصّريح في التنديد ببعض الصحابة ، ويقرأون الصحاح والمسانيد الصّريحة في ارتداد الكثير منهم بعد رحلة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقلبون التاريخ ظهر المِجن ، فيشاهدون فيه موبقات بعض الصحابة وخداعهم وضلالهم ، مع ذلك كلِّه لا ينبسون فيهم ببنت شفة ويحكِّمون الأصل على هذه المعارف الصحيحة. وهذه قاصمة للمذهب السنّي بالمعنى الحقيقي. هذا من جانب.
ومن جانب آخر ، إنّ المعتزلة كانوا منتمين لأهل السنّة ، وفي الوقت نفسه كانوا