المعتزلة استبقوا الزمن واستعجلوا الأُمور ، فأرادوا في زمن دولتهم أن يحقِّقوا ما لا يتحقّق إلا بالاقناع ، وأن ينجزوا في برهة وجيزة ما قد يتطلّب قروناً » (١).
٦ ـ إنّ صمود أحمد بن حنبل في طريق عقيدته أضفى له عند الأُمّة بطولة في طريق حفظ السنّة وجعل منه أُسطورة للدّفاع عن العقائد وقبول الاضطهاد في طريق الدّين ولمّا أفرج عنه التفّ النّاس حوله واندفعوا يحاربون أعداءه ويكيدون لهم ، ولم يبرح في الإجهار على ضدّ المعتزلة وإثارة النّاس عليهم.
٧ ـ إنّ الرجعيّة كانت متأصّلة في نفوس العامّة ، متحكّمة في كثير من العلماء وكانوا لا يرغبون في مخالفة السلف قدر شعرة ، وهذا أوجب انتصار أهل الحديث على أهل العقل والاستدلال ، وكان عمل المعتزلة مثيراً لروح التعصّب فيهم أزيد ممّا كانوا عليه ، ولعلّهم كانوا يتقرّبون في ضربهم وشتمهم وقتلهم إلى الله.
٨ ـ وقد كان للشّيخ أبي الحسن الأشعري دور مؤثّر في تأليب العامّة والخاصّة على المعتزلة ، فإنّه كان معتزليّاً عارفاً بسلاح العقل والمنطق. فقد رجع عن المعتزلة لأجل أنّه رأى الهوّة السحيقة بين أهل السنّة وأهل الاعتزال ، فأراد أن يتّخذ طريقاً وسطاً بين المذهبين ، ولكنّه بدلاً من أن يستعمل ذلك السِّلاح في نصرة الدّين قام بمقاومة الاعتزال وهدمه ، ولم يفعل ذلك إلاّ مجاراة للرأي العامّ وطمعاً في كسب عطفهم وتأييدهم ، وبالتالي خضع للقوى الرجعية إلى حدّ كبير ، فأمضى كلّ ما كان عليه الحنابلة من مسألة القدر والرّؤية بحرفيتّها.
٩ ـ إنّ جنوح السّلطة إلى أصحاب الحديث من عصر المتوكِّل إلى آخر العبّاسيّين وتولّيهم عن المعتزلة دعاة العدل والتّوحيد ، لم يكن خالياً عن الأهداف السياسيّة الّتي كانت لمصالح عروشهم وحكومتهم ، لأنّ من مبادىء أهل الحديث وجوب إطاعة السّلطان الجائر وحرمة الخروج عليه ووجوب الصلاة خلف كلّ برّ وفاجر إلى غير ذلك من الأحكام الّتي ذكرها إمام الحنابلة في عقيدة أهل الحديث ، ومن
__________________
١ ـ المعتزلة لحسن زهدي جار الله : ص ٢٥٢.