العبد ، وهو الخالق والمخلوق ، ولا غير ثمّة ، وذلك مدفوع في السمع والعقل ، ولا قوّة إلاّ باللّه.
وأيضاً إنّ كلّ أحد يعلم من نفسه أنّه مختار لما يفعله ، وأنّه فاعل كاسب ـ إلى آخر ما أفاده .. (١).
هذا كلام الماتريدي ، ولا أظنُّ أحداً يتأمّل في أطراف كلامه ، فيتصوّره موافقاً مع الشيخ الأشعري ، بل هما يتحرّكان في فلكين مختلفين ، كيف ومن جاء بعده من الماتريديّة جعل كلامه في مقابل كلام الأشعري. هذا الإمام البزدوي جعل قول أهل السنّة والجماعة ( يعني الماتريديّة المتّصلة إلى الامام أبي حنيفة ) في مقابل قول الأشعري (٢). وهو يترجم مذهبه بما يلي : « قال أهل السنّة والجماعة : أفعال العباد مخلوقة للّه تعالى ومفعوله ، واللّه هو موجدها ومحدثها ، ومنشئها ، والعبد فاعل على الحقيقة ، وهو ما يحصل منه باختيار وقدرة حادثين ، وهذا هو فعل العبد ، وفعله غير فعل اللّه تعالى » ثمّ يعرض عقائد سائر الطّوائف من المجبِّرة ، والجهميّة ، والقدريّة ، والأشعريّة ، ويستدلّ على مختاره بالنصوص القرآنيّة ويقول : « فدلّتنا هذه النصوص على أنّ الأفعال منّا بقدرة حديثة منّا ، وهي مخلوقة الله تعالى ، فكانت هذه النّصوص حجّة على الخصوم أجمع ( حتّى الأشعرية ). واللّه تعالى أضاف الأفعال إلينا في كتابه في مواضع كثيرة. قال الله تعالى : ( جَزاءً بما كانُوا يَعْمَلُون ) ( السجدة / ١٧ ) ( وَإذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها ) ( البقرة / ٧٢ ) وقال : ( إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ ) ( المائدة / ٦ ). وكذلك نهانا عن أفعال كثيرة وأمرنا بأفعال كثيرة ، فلا بدّ أن يكون لنا فعل ، ويجب أن يكون ذلك بهدايته ، ومشيئته ، وارادته » (٣).
ولقد رسّم البياضي الماتريدي عقيدة شيخه في كتاب « إشارات المرام » وبيّنه على نحو يتّحد مع ما يعتقده الإماميّة من أنّه لا جبر ولا قدر ( تفويض ) بل أمر بين الأمرين ،
__________________
١ ـ التوحيد : ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦.
٢ ـ اُصول الدين : ص ١٠١.
٣ ـ اُصول الدين ص ٩٩ و١٠٤ ـ ١٠٥.