بساط البحث في محلّه ، ولكنّ الظاهر من الماتريدي حسبما ينقله النسفي هو القول بالعينيّة. يقول النّسفي : « ثمّ اعلم إنّ عبارة متكلّمي أهل الحديث في هذه المسألة أن يقال : إنّ اللّه تعالى عالم بعلم ، وكذا فيما وراء ذلك من الصّفات ، وأكثر مشايخنا امتنعوا عن هذه العبارة احترازاً عما توهّم أنّ العلم آلة وأداة فيقولون : إنّ اللّه تعالى ، عالم ، وله علم ، وكذا فيما وراء ذلك من الصِّفات. والشيخ أبو منصور الماتريدي رحمهالله يقول : إنّ اللّه عالم بذاته ، حيّ بذاته ، قادر بذاته ، ولا يريد منه نفي الصِّفات ، لأنّه أثبت الصّفات في جميع مصنّفاته ، وأتى بالدّلائل لإثباتها ، ودفع شبهاتهم على وجه لا محيص للخصوم عن ذلك ، غير أنّه أراد بذلك دفع وهم المغايرة ، وأنّ ذاته يستحيل أن لايكون عالماً (١).
حصيلة البحث :
هذه المسائل العشر الّتي اختلف فيها الماتريدي والأشعري تميط السّتر عن وجه المنهجين ، وتوقفنا على الاختلاف الهائل السائد عليهما ، وتكشف عن أنّ منهج الماتريدي منهج يعلو عليه سلطان العقل ، وعلى ضوء هذا لا يصحّ لمحقّق كتاب « التّوحيد » للماتريدي أن يقول : « إنّ توسّط الماتريدي ( بين أهل الحديث والمعتزلة ) هو بعينه توسّط الأشعري ، وإنّ شيخي السنّة يلتقيان على منهج واحد ، ومذهب واحد ، في أهمّ مسائل الكلام الّتي وقع فيها الخلاف بين فرق المتكلّمين » (٢).
لا شكّ أنّ الشيخين يلتقيان في عدّة من المسائل ، كجواز رؤيته سبحانه في الآخرة ، وأنّه متكلّم بالكلام النّفسي الّذي هو صفة له قديمة بذاته ، وهو ليس من جنس الحروف والأصوات ، إلى غير ذلك من الاُصول.
لكنّ الاتّفاق فيهما ، وفي بعض الاُصول الاُخر الّتي اتّفق عليها أكثر المسلمين ، لا يضفي لون الوحدة للمنهجين.
__________________
١ ـ العقائد النسفية : ص ٧٦.
٢ ـ مقدمة التوحيد : ص ١٧ ـ ١٨.