يَعْلَمُونَ ) ( الزمر / ٩ ) وقوله : ( يَرْفَعُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ دَرَجَات ) ( المجادلة ١١ ) وقوله : ( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ اُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ واُولئِكَ هُمُ اُولُوا الألْبَاب ) ( الزمر / ١٧ و١٨ ) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الّتي لا تحتاج إلى العرض ، فأمر القرآن في الدعوة إلى الفكر الصحيح ، وترويج طريق العلم ، ممّا لا ريب فيه.
ولم يعيّن في الكتاب العزيز هذا الفكر الصحيح القيّم الذّي يندب إليه ، إلاّ أنّه أحال فيه إلى مايعرفه الناس بحسب عقولهم الفطريّة ، وإدراكهم المركوز في نفوسهم.
إنّك لو تتبّعت الكتاب الإلهي ، ثمّ تدبّرت في آياته ، وجدت ما لعلّه يزيد على ثلاثمائة آية تتضمّن دعوة الناس إلى التفكر والتذكر والتعقّل ، وتلقين النّبي صلىاللهعليهوآله الحجّة لإثبات حق ، أو لإبطال باطل ، كقوله : ( قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيئاً إنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ واُمَّهُ ) ( المائدة / ١٧ ) أو تحكي الحجّة عن أنبيائه وأوليائه ، كنوح وإبراهيم وموسى ، وسائر الأنبياء العظام ، ولقمان ومؤمن آل فرعون وغيرهما عليهمالسلام كقوله : ( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمواتِ وَالأرْضِ ) ( إبراهيم / ١٠ ) وقوله : ( وإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) ( لقمان / ١٣ ) وقوله : ( وقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَونَ يَكْتُمُ إيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّهُ وقَدْ جَاءَكُمْ بِالبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ) ( غافر / ٢٨ ) وقوله حكاية عن سحرة فرعون : ( قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاض إِنَّمَا تَقْضِي هذِهِ الحَيَاءَ الدُّنْيَا ) ( طه / ٧٢ ) إلى آخر ما احتجّوا به.
ولم يأمر اللّه تعالى عباده في كتابه ، ولا في آية واحدة أن يؤمنوا به ، أو بشيء ممّا هو من عنده ، أو يسلكوا سبيلاً على العمياء ، وهم لا يشعرون ، حتّى إنّه علّل الشرايع والأحكام الّتي جعلها لهم ممّا لا سبيل للعقل إلى تفاصيل ملاكاته باُمور تجري مجرى الاحتجاجات كقوله : ( إِنَّ الصَّلوةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللّهِ أَكْبَر ) ( العنكبوت / ٤٥ ) وقوله : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ