والّلسان وإن لم يكن مصاحباً للعمل ، فأخذوا من الإيمان جانب القول ، وطردوا جانب العمل ، فكأنّهم قدّموا الأوّل وأخّروا الثاني واشتهروا بمقولتهم : « لاتضرّ مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة ».
وعلى هذا ، فهم والخوارج في هذه المسألة على جانبي نقيض ، فالمرجئة لا تشترط العمل في حقيقة الايمان ، وترى العاصي ومرتكب الذُّنوب ، صغيرها وكبيرها ، مؤمناً حتّى تارك الصلاة والصوم ، وشارب الخمر ، ومقترف الفحشاء.. والخوارج يضيّقون الأمر فيرون مرتكب الكبيرة كافراً ، ولأجل ذلك قاموا بتكفير عثمان للأحداث الّتي انجرّت إلى قتله وتكفير علي عليهالسلام لقبوله التحكيم وإن كان عن اضطرار.
ويقابلهما المعتزلة أيضاً القائلون بأنّ مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا فاسق بل في منزلة بين الأمرين فزعمت أنّها أخذت بالقول الوسط بين المرجئة والخوارج.
والقول المشهور بين السنّة والشيعة أنّه مؤمن فاسق ، وسيوافيك القول في حقيقة الإيمان عند البحث عن عقائد المعتزلة والخوارج.
ولعلّه إلى ذلك الوجه أيضاً يرجع ما ذكره ابن الاثير في نهايته بأنّهم سمّوا مرجئة لاعتقادهم بأنّ الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي ، أي أخّر عنهم.
يلاحظ على هذا الوجه : أنّ القوم وإن أخّروا العمل وأخرجوه عن كونه مقوّماً للايمان أو بعضه ، ولم يعتبروه جزءاً وشرطاً ، ولكن لم يتّفقوا على تفسيره بالقول المجرّد ، والاقرار باللّسان ، بل لهم آراء في ذلك.
فاليونسيّة منهم ( أتباع يونس بن عون ) زعمت أنّ الإيمان في القلب واللسان. وإنّه هو المعرفة بالله ، والمحبّة ، والخضوع له بالقلب ، والإقرار باللّسان ، أنّه واحد ليس كمثله شيء (١).
والغسّانية ( أتباع غسّان المرجئ ) زعمت أنّ الإيمان هو الاقرار أو المحبّة لله تعالى ،
__________________
١ ـ الفرق بين الفرق ص ٢٠٢ ط مصر.