وتصويب آخر.
وما ذكره حدس لا أساس له ، ولقد استنتجه ممّا نقلناه عنه سابقاً من أنّ فكرة الإرجاء ترجع إلى الغزاة القادمين إلى المدينة بعد قتل الخليفتين .. وعرفت أنّه لا ينطبق مع ما تضافر في التاريخ.
والظاهر أنّ فكرة الإرجاء نشأت في أحضان الدعايات الأمويّة ، والفضائل المفتعلة لجملة من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فغشيت وجه الحقيقة ، وعاقت البسطاء عن الخوض في الأبحاث الخطيرة ، واقتحام المعارك المدلهمّة ، ممّا نقم به على هؤلاء من الطامّات والأحداث وما قيل في براءتهم ، فتخيّل لهم أنّ الأصلح والرأي الأوسط هو عدم الجنوح إلى جانب دون آخر. وهؤلاء وإن كانوا غير معذورين في هذا الأمر ، لكنّهم ـ في زعمهم ـ أخذوا جانب الإحتياط في مقابل الناقمين.
٧ ـ إنّ أصل الإرجاء هو التوقّف وترك الكلام في حقّ بعض الصحابة. لكنّ هذا الأصل قد نسي في الآونة اللاحقة ، وأخذ أصل آخر مكانه ، بحيث لم يبق من الأصل الأوّل أثر بين المرجئة اللاحقة وفرقهم المختلفة ، وهو البحث عن تحديد الإيمان والكفر ، والمؤمن والكافر.
فصار تحديد الإيمان بالاقرار دون العمل ، أو المعرفة القلبيّة دون القيام بالأركان ، ركناً ركيناً لهذه الطائفة بحيث كلّما أطلقت المرجئة ، لا يتبادر من هذه الكلمة إلاّ من تبنّى هذا المعنى.
وقد أنهاهم أبو الحسن الأشعري في « مقالات الإسلاميين » في فصل خاصّ إلى اثنتي عشرة طائفة اختلفوا في حقيقة الإيمان بعد اتّفاقهم على إبعاد العمل عن ساحته وحقيقته.
وهذا يوضح صحّة ما قلناه من أنّ الإرجاء ـ يوم تكوُّنه ـ لم يظهر بصورة حزب سياسيّ. بل ظهر بصورة منهج فكري دينيّ التجأ إليه أصحابه ، خضوعاً للدعايات