قال الصاحب بن عبّاد : ادّعت المرجئة أنّ قاتل النفس بغير الحق ، وسارق المال ، ومخيف السبل ومرتكب الزنا ، وشارب الخمر ، لايقطع أنّهم من أهل النار ، وإن ماتوا مصرّين. وقالت العدليّة : بل هم من أهل النار مخلّدون لا يجدون عنها حولاً ، لأنّ الله أخبر ( وإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيم ) ( الانفطار / ١٤ ) ولم يخصّ فاجراً عن فاجر ، فقال عزّ وجلّ : ( إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيم * وَإِنَّ الفُجّارَ لَفِي جَحِيمٌ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدّين * ومَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ) ( الانفطار / ١٣ ـ ١٦ ) وقال تعالى : ( ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا وغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) ( النساء / ٩٣ )
فإن قالوا فقد قال الله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذِلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) ( النساء / ٤٨ ) فالجواب أنّه تعالى قال في هذه الآية : « لمن يشاء » والمشيئة مغيّبة عنّا ، إلى أن نعرفها بالأدلّة ، وقد بيّن « من يشاء » بقوله : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) ( النساء / ٣١ ) فهو يكفّر الصغائر بتجنّب الكبائر ، والكبائر بالتوبة ، قال سبحانه : ( وأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلُ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ) ( الزمر / ٥٤ ) (١).
وهنا وجه آخر للعنهم وهو يرجع إلى قولهم بالإرجاء بالمعنى الأوّل أعني التوقّف في أمر الامام عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام وعدم الحكم بشيء فيه من الإيمان وضدّه. وأيّ مصيبة أعظم من التوقّف في ايمان أخي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وصنوه ووزيره ، وهو الصدّيق الأكبر ، وأوّل المؤمنين. قال ـ صلوات الله عليه ـ : « ولقد كنت أتّبعه ( الرسول ) اتّباع الفصيل أثر اُمّه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كلّ سنة ( حراء ) ب ـ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللّهصلىاللهعليهوآلهوسلم وخديجة وأنا ثالثهما. أرى نور الوحي والرسالة وأشمّ ريح النبوّة » (٢).
__________________
١ ـ الابانة عن مذهب أهل العدل بحجج القرآن والعقل للصاحب ( ٣٨٥ هـ ) ص ٢٣ المطبوع ضمن نفائس المخطوطات.
٢ ـ نهج البلاغة : الخطبة القاصعة ج ٣ ص ١٦١ ـ ١٨٢ بالرقم ١٨٧.