ان أهم صفات الامامة بعد ثبوت النص على الامام ، هي السبق في العلم والحكمة ، لكونها ضرورة لازمة في الامام لأجل أن يكون أهلاً لهذه المنزلة ، وكفؤاً لهذه المسؤولية ، وقطباً تلتف حوله الناس ، وتطمئن إلى سبقه في العلم والحكمة والمعرفة ، وقدرته الفائقة في مواجهة ما تبتلى به الاُمّة والدولة ، فلا يحتاج إلى غيره ممن هم محتاجون إلى إمام يهديهم ويرشدهم ، اذ لا يصح أن يلتف الناس حول رجل ويسلمون إليه قيادهم ، وهم يجدون من هو أعلم منه أو أرجح فهماً وحكمةً ومعرفةً في شؤون الدين والدنيا ، وهذه الناحية تكاد تكون بديهية لازمت جميع الأنبياء والأوصياء بين أقوامهم ، وهي أشد ما تكون بروزاً وظهوراً في حياة خاتم الأنبياء وأوصيائه عليهمالسلام.
روى الشيخ الصدوق بالاسناد عن أحمد بن علي الأنصاري ، عن الحسن ابن الجهم ، قال : « حضرت مجلس المأمون يوماً وعنده علي بن موسى الرضا عليهالسلام ، وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة ، فسأله بعضهم فقال له : يا بن رسول الله ، بأي شيء تصحّ الامامة لمدعيها؟ قال : بالنص والدليل. قال له : فدلالة الامام فيما هي؟ قال : في العلم واستجابة الدعوة .... » (١).
وهكذا كان أئمة الهدى عليهمالسلام ، فلم يعرف عن أحدهم أنه تلكأ يوماً في مسألة ، أو أفحمه أحد في حجة ، بل كان سبقهم نوعاً من الاعجاز ، وأظهر ما يكون ذلك مع الامام محمد الجواد وولده الامام الهادي عليهماالسلام ، فقد أوتيا العلم والحكمة وفصل الخطاب ولما يبلغا الحلم ، وسبقا علماء ومتكلمي عصرهما ،
__________________
(١) عيون أخبار الرضا / الشيخ الصدوق ١ : ٢١٦.