ولم يشذّ عن هذه السيرة أغلب خلفاء هذا العصر ، فقد ذكر المؤرخون عن المستعين : انه كان متلافا للمال مبذرا ، فرّق الجواهر وفاخر الثياب ، واختلّت الخلافة بولايته واضطربت الاُمور (١).
وذكروا أنّ اُمّ المهتدي محمد بن الواثق ، التي ماتت قبل استخلافه ، أنّها كانت تحت المستعين ، فلمّا قُتل المستعين صيّرها المعتزّ في قصر الرصافة الذي فيه الحرم ، فلمّا ولي المهتدي الخلافة قال يوما لجماعة من الموالي : أمّا أنا فليس لي اُمّ أحتاج لها إلى غلّة عشرة آلاف ألف في كلّ سنة لجواريها وخدمها والمتصلين بها ... (٢).
وسرى الترف في البلاط الى الملبس والزينة والتجميل ، وطغى هذا اللون من الترف على النساء والمخنثين ، سيما نساء وجواري الخلفاء ومواليهم ، والأمثلة على ذلك يطول بذكرها المقام ، وهي تحكي عن حجم التبذير في بيوت الأموال والإسراف في النفقات الخاصة على حساب الأغلبية المحرومة ، وكان من نتائج ذلك أن ابتعد الخليفة عن الرعية وأهمل شؤونهم فكرهه غالبية الناس.
قال ابن كثير في حوادث سنة ٢٤٩ ـ خلافة المستعين ـ : قد ضعف جانب الخلافة ، واشتغلوا بالقيان والملاهي ، فعند ذلك غضبت العوام من ذلك (٣).
السمة الغالبة في حياة سلاطين هذا العصر ومن سار في ركابهم من القادة والولاة والامراء والقضاة هي الاستئثار ببيت المال وتسخير الأموال العامة
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ١٢ : ٤٦.
(٢) تاريخ الطبري ٩ : ٣٩٦ ، الكامل في التاريخ ٦ : ٢٠٣ ، البداية والنهاية ١١ : ١٨.
(٣) البداية والنهاية ١١ : ٣.