يظهر من كتاب المتوكل أنه لا يعدو كونه مناورة حاول المتوكل الالتفاف من خلالها على الإمام عليهالسلام واحتواء نشاطه ، أو قل هو صيغة دبلوماسية من قبيل ذرّ الرماد في العيون ، إذ لم يكن المتوكل صادقا فيما وعد ، ولا التزم بالشروط التي تعهد بها في كتابه ، وأول بادرة سوء في ذلك أنه حينما دخل يحيى ابن هرثمة المدينة أمر بتفتيش دار الامام تفتيشاً دقيقاً ، حتى ضجّ أهل المدينة خوفاً على الامام عليهالسلام ، ولو كان المتوكل ينوي إكرام الامام عليهالسلام لما احتجب عنه في اليوم الأول من وصوله إلى سامراء ، ولما انزله في خان الصعاليك ، ولما حجب عنه شيعته وأصحابه ، ولما فرض عليه الاقامة الجبرية في عاصمة العسكر سامراء طيلة مدة حكمه ، ولما أمر بتفتيش داره في سامراء مرات عديدة ، ولعل أظهر موارد نقض الشروط هو أن المتوكل أعاد محمد بن الفرج الرخّجي المعروف بعدائه السافر لآل البيت عليهمالسلام الى عمله وعزل محمد بن الفضل (١).
اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ رحلة الإمام الهادي عليهالسلام من المدينة الى
__________________
(١) قال ابن كثير : كان المتوكل لايولي أحدا إلا بعد مشورة الإمام أحمد ، البداية والنهاية ١٠ : ٣١٦ ، فإن كان ذلك حقا ، فلا أدري كيف يوافق الامام أحمد على تولية أمثال : محمد بن الفرج الرخجي ، والديزج الذي هدم قبر الحسين عليهالسلام ، وأبي السمط مروان بن أبي الجنوب الذي ولاه على اليمامة والبحرين ، وابن اُترجة الذي ولاه الحرب والصلاة في الحرمين وغيرهم من النواصب؟! فإنّ أراد المبالغة في مدح المتوكل الناصبي فقد عرّض بالإمام أحمد وأساء إليه ، وإن كان قوله حقا فان الإمام أحمد على رأس النواصب وأهم المروجين لثقافة النصب.
ومما يشهد بنصبه قوله في حقّ (حريز بن عثمان) الناصبي الذي كان يلعن أمير المؤمنين صباحا ومساءً : « ثقة ثقة ثقة » : ولهذه الأمور خاطب عبداللّه بن أحمد أباه قائلاً : إنّ الناس يقولون عنك ... ذكره ابن الجوزي.