فآخى بين الأوس والخزرج ، وبين المهاجرين والأنصار ، وآخى بين نفسه وصنوه وصهره عليّ صلوات اللّه عليه (١).
ثمّ إنّ الرسول الأكرم ـ انطلاقاً من هذا المبدأ ـ شبّه المؤمنين مع كثرتهم ووفرتهم بالجسد الواحد وقال : « مثل المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد ( الواحد ) إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » (٢).
ولقد كان النبي الأكرم يراقب أمر الأُمة ، لا يشقّ عصاها منازع جاهل أو عدوّ غاشم ، وكان يقودها إلى الأمام برعايته الحكيمة ، وكلّما واجه خلافاً أو شقاقاً ونزاعاً بادر إلى ترميم صدعها بحزم عظيم وتدبير وثيق ، ولقد شهد التاريخ له بمواقف في هذا المجال انتخبنا منها ما يلي :
١ ـ انتصر المسلمون على قبيلة بني المصطلق وقتل من قتل من العدوّ وأُسر من أُسر منهم; فبينما رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم على مائهم ، نشب النزاع بين رجل من الأنصار ورجل من المهاجرين ، فصرخ الأنصاري فقال : يا معشر الأنصار ، وصرخ الآخر وقال : يا معشر المهاجرين ، فلما سمعها النبي ، قال : دعوها فإنّها منتنة .. يعني إنّها كلمة خبيثة ، لأنّها من دعوى الجاهلية ، واللّه سبحانه جعل المؤمنين إخوة وصيّرهم حزباً واحداً ، فينبغي أن تكون الدعوة في كل مكان وزمان لصالح الإسلام والمسلمين عامة ، لا لصالح قوم ضدّ الآخرين ، فمن دعا في الإسلام بدعوى الجاهلية يُعزّر (٣).
فالنبي الأكرم يصف كل دعوى تشقّ عصا المسلمين وتمزّق وحدتهم بأنّها دعوى منتنة ، فكيف لا يكون كذلك وهي توجب انهدام الدعامة للكيان الإسلامي ، وبالتالي انقضاض صرح الإسلام.
__________________
١ ـ راجع في الوقوف على مصادر الحديث كتاب الغدير. ج ٣ ص ١١٢ ـ ١٢٤.
٢ ـ مسند أحمد ج ٤ ص ٢٧٠.
٣ ـ السيرة النبويّة ، ج ٣ ص ٣٠٣ غزوة بني المصطلق ، ولا حظ التعليقة للسهبيلي ، وراجع مجمع البيان ، ج ٥ ص ٢٩٣ وغيره من التفاسير.