ومن ناحية اخرى نلاحظ أن الحالة تندرج ضمن نطاق أصل البراءة لانها شبهة بدوية فى التكليف غير مقترنة بالعلم الاجمالى ، وأصل البراءة ينفى وجوب الاحتياط ويرفع عنا الوجوب عمليا ، فبأى الاصلين نأخذ؟
والجواب أنا نأخذ بالاستصحاب ونقدمه على أصل البراءة ، وهذا متفق عليه بين الاصوليين ، والرأى السائد بينهم لتبرير ذلك أن دليل الاستصحاب حاكم على دليل أصل البراءة ، لان دليل أصل البراءة هو النص النبوى القائل « رفع ما لا يعلمون » وموضوعه كل ما لا يعلم ، ودليل الاستصحاب هو النص القائل « لا ينقض اليقين أبدا بالشك » وبالتدقيق فى النصين نلاحظ أن دليل الاستصحاب يلغى الشك ويفترض كأن اليقين باق على حاله ، فيرفع بذلك موضوع أصل البراءة.
ففى مثال وجوب الصوم ، لا يمكن أن نستند إلى أصل البراءة عن وجوب الصوم بعد غروب الشمس بوصفه وجوبا مشكوكا ، لان الاستصحاب يفترض هذا الوجوب معلوما ، فيكون دليل الاستصحاب حاكما على دليل البراءة ، لانه ينفى موضوع البراءة.
٣ ـ التعارض بين النوعين
ونصل الان إلى فرضية التعارض بين دليل محرز وأصل عملى كأصل البراءة أو الاستصحاب.
والحقيقة أن الدليل إذا كان قطعيا فالتعارض غير متصور عقلا بينه وبين الاصل ، لان الدليل القطعى على الوجوب مثلا يؤدى إلى العلم بالحكم الشرعى ومع العلم بالحكم الشرعى لا مجال للاستناد إلى أى