وإذا ضم المتلفظ الملتفت كلمة أخرى فقال ( الماء بارد ) استكشفنا أنه يريد أن يخطر فى ذهننا معنى ( الماء ) ومعنى ( بارد ) ومعنى جملة ( الماء بارد ) ككل. ولكن لماذا يريد أن نتصور ذلك كله؟ والجواب : أن تلفظه بهذه الجملة يدل عادة على أن المتكلم يريد بذلك أن يخبرنا ببرودة الماء ويقصد الحكاية عن ذلك ، بينما فى بعض الحالات لا يكون قاصدا ذلك كما فى حالات الهزل ، فان الهازل لا يقصدإلاإخطار صورة المعنى فى ذهن السامع فقط على خلاف المتكلم الجاد. فالمتكلم الجاد حينما يقول : ( الماء بارد ) يكتسب كلامه ثلاث دلالات وهى : الدلالة التصورية المتقدمة ، والدلالة التصديقية المتقدمة ، ولنسمها بالدلالة التصديقية الاولى ، ودلالة ثالثة هى الدلالة على قصد الحكاية والاخبار عن برودة الماء ، وتسمى بالدلالة على المراد الجدى ، كما تسمى بالدلالة التصديقية الثانية. وأما الهازل حين يقول : ( الماء بارد ) فلكلامه دلالة تصورية ودلالة تصديقية أولى دون الدلالة التصديقية الثانية ، لانه ليس جادا ولا يريد الاخبار حقيقة ، وأما الالة حين تردد الجملة ذاتها فليس لهاإلا دلالة تصورية فقط. وهكذا أمكن التمييز بين ثلاثة أقسام من الدلالة.
والدلالة التصورية هى فى حقيقتها علاقة سببية بين تصور اللفظ وتصور المعنى ، ولما كانت السببية بين شيئين لا تحصل بدون مبرر ، اتجه البحث إلى تبريرها ، ومن هنا نشأت عدة احتمالات :
الاول : احتمال السببية الذاتية بأن يكون اللفظ بذاته دالا على