وأيضاً ابرزت كيفية دلالة المطلق على الإطلاق بصورةٍ مباشرة ، بينما لم تبرز كيفية دلالة المقيّد على أخذ القيد في الموضوع كذلك ، وإنّما بُحث ذلك ضمناً خلال بحث حمل المطلق على المقيّد وكيفية علاج التعارض بينهما.
ومن هنا لم يراعَ فيها أيضاً ما يجب أن يراعى في الكتب الدراسية من التدرّج في عرض الأفكار من البسيط إلى المعقّد ، ومن الأسبق رتبةً إلى المتأخّر ، بحيث تعرض المسألة المتفرّعة ذاتاً في تصوّراتها على حيثيات مسائل اخرى بعد أن تكون تلك الحيثيات قد طرحت وبحثت. وعلى سبيل المثال لتوضيح الفكرة : لاحظ بحث توقّف العموم على إجراء الإطلاق ومقدمات الحكمة في المدخول ، فإنّ تصوّر هذا الافتراض يستبطن الفراغ مسبقاً عن تصوّر مقدمات الحكمة ووظيفتها ، بينما يذكر ذلك البحث في العامّ والخاصّ ، وتذكر مقدّمات الحكمة بعد ذلك في مباحث المطلق والمقيد. ولاحظ أيضاً الشرط المتأخّر للحكم مثلاً ، فإنّ تصوّر المشكلة فيه وتصوّر حلولها مرتبط بمجموعة أفكارٍ عن الواجب المشروط ، وطريقة السير من البسيط إلى المعقّد تقتضي تقديم هذه المجموعة من الأفكار على عرض مشكلة الشرط المتأخّر وبحثها ، بينما وقع العكس في الكفاية وغيرها. ومثال آخر : أنّ تصوّر التخيير بين الأقلّ والأكثر وافتراض استحالته دخيل في استيعاب قاعدة إجزاء الأوامر الاضطرارية عن الواقع ، فإذا بحثت هذه القاعدة بعد افتراض تصوّرٍ مسبقٍ عن التخيير المذكور كان فهمها للطالب وتصوّرها أيسر.
ومن هنا لم يراعَ فيها ما يجب أن يراعى في الكتب الدراسية من توفير فهمٍ مسبقٍ عند الطالب للمسائل والقواعد التي يستعان بها لإثبات المدّعى في مسألة اخرى والبرهنة عليها ، أو لاقتناص الثمرة الاصولية لها. فالإطلاق ومقدمات الحكمة تدخل كدليلٍ لإثبات دلالة الأمر على الوجوب ، ولإثبات دلالته على العينية والتعيينية والنفسية ، ولإثبات دلالة الجملة الشرطية وغيرها على المفهوم ، وهكذا ، مع أنّ الطالب في الكتب القائمة لا يُعطى فكرة عن الإطلاق ومقدمات الحكمة إلاّبعد الفراغ عن جميع مباحث الأوامر والنواهي والمفاهيم. وأحكام التعارض ـ بما فيها قواعد الجمع العرفي ـ قد تدخل في علاج كثيرٍ من ألوان التعارض بين الأدلّة اللفظية