والضوء ، فكما أنّ النار تؤدّي إلى الحرارة وطلوع الشمس يؤدّي إلى الضوء كذلك تصوّر اللفظ يؤدّي إلى تصوّر المعنى ، ولأجل هذا يمكن القول بأنّ تصوّر اللفظ سبب لتصوّر المعنى ، كما تكون النار سبباً للحرارة وطلوع الشمس سبباً للضوء ، غير أنّ علاقة السببية بين تصوّر اللفظ وتصوّر المعنى مجالها الذهن ؛ لأنّ تصوّر اللفظ والمعنى إنّما يوجد في الذهن ، وعلاقة السببية بين النار والحرارة أو بين طلوع الشمس والضوء مجالها العالم الخارجي.
والسؤال الأساسيّ بشأن هذه العلاقة التي توجد في اللغة بين اللفظ والمعنى هو السؤال عن مصدر هذه العلاقة وكيفية تكوّنها ، فكيف تكوّنت علاقة السببية بين اللفظ والمعنى؟ وكيف أصبح تصوّر اللفظ سبباً لتصور المعنى ، مع أنّ اللفظ والمعنى شيئان مختلفان كلّ الاختلاف؟ ويذكر في علم الاصول عادةً اتّجاهان في الجواب على هذا السؤال الأساسي. يقوم الاتّجاه الأوّل على أساس الاعتقاد بأنّ علاقة اللفظ بالمعنى نابعة من طبيعة اللفظ ذاته ، كما نبعت علاقة النار بالحرارة من طبيعة النار ذاتها ، فلفظ « الماء » ـ مثلاً ـ له بحكم طبيعته علاقة بالمعنى الخاصّ الذي نفهمه منه ، ولأجل هذا يؤكّد هذا الاتّجاه أنّ دلالة اللفظ على المعنى ذاتية ، وليست مكتسبةً من أيِّ سببٍ خارجي.
ويعجز هذا الاتّجاه عن تفسير الموقف تفسيراً شاملاً ؛ لأنّ دلالة اللفظ على المعنى وعلاقته به إذا كانت ذاتيةً وغير نابعةٍ من أيِّ سببٍ خارجيٍّ ، وكان اللفظ بطبيعته يدفع الذهن البشريّ إلى تصوّر معناه فلماذا يعجز غير العربيّ عن الانتقال إلى تصوّر معنى كلمة « الماء » عند تصوّره للكلمة؟ ولماذا يحتاج إلى تعلّم اللغة العربية لكي ينتقل ذهنه إلى