اللفظ على مدلوله النفسيّ التصديقي ، فإنّ اللفظ إنّما يكشف عن إرادة المتكلِّم إذا صدر في حال يقظةٍ وانتباهٍ وجدّيّة ، فهذه الحالة هي مصدر الدلالة التصديقية ، ولهذا نجد أنّ اللفظ إذا صدر من المتكلّم في حالة نومٍ أو ذهولٍ لا توجد له دلالة تصديقية ومدلول نفسي.
تقسَّم الجملة عادةً إلى خبريةٍ وإنشائية ، ونحن في حياتنا الاعتيادية نحسُّ بالفرق بينهما ، فأنت حين تتحدّث عن بيعك للكتاب بالأمس وتقول : « بعتُ الكتابَ بدينارٍ » ترى أنّ الجملة تختلف بصورةٍ أساسيةٍ عنها حين تريد أن تعقد الصفقة مع المشتري فعلاً ، فتقول له : « بعتُكَ الكتابَ بدينار ».
وبالرغم من أنّ الجملة في كلتا الحالتين تدلّ على نسبةٍ تامةٍ بين البيع والبائع ـ أي بينك وبين البيع ـ يختلف فهمنا للجملة وتصوّرنا للنسبة في الحالة الاولى عن فهمنا للجملة وتصوّرنا للنسبة في الحالة الثانية ، فالمتكلِّم حين يقول في الحالة الاولى : « بعتُ الكتابَ بدينارٍ » يتصوّر النسبة بما هي حقيقة واقعة لا يملك من أمرها فعلاً شيئاً ، إلاّأن يخبر عنها إذا أراد ، وأمّا حين يقول في الحالة الثانية : « بعتُكَ الكتابَ بدينارٍ » فهو يتصوّر النسبة لا بما هي حقيقة واقعة مفروغ عنها ، بل يتصوّرها بوصفها نسبةً يراد تحقيقها.
ونستخلص من ذلك : أنّ الجملة الخبرية موضوعة للنسبة التامة منظوراً إليها بما هي حقيقة واقعة وشيء مفروغ عنه ، والجملة الإنشائية موضوعة للنسبة التامة منظوراً إليها بما هي نسبة يراد تحقيقها.