ومعنى القول بأنّ « صيغة النهي تدلّ على الحرمة » في هذا الضوء : أنّ الصيغة موضوعة للنسبة الإمساكية بوصفها ناتجةً عن كراهةٍ شديدةٍ وهي الحرمة ، فتدخل الحرمة ضمن الصورة التي نتصوّر بها المعنى اللغويَّ لصيغة النهي عند سماعها. والدليل على أنّها موضوعة كذلك هو التبادر ، كما تقدم في صيغة الأمر.
وفي نفس الوقت قد تستعمل صيغة النهي في موارد الكراهة ، فيُنهى عن المكروه أيضاً بسبب الشبه القائم بين الكراهة والحرمة ، ويعتبر استعمالها في موارد المكروهات استعمالاً مجازياً.
وتوضيحه : أنّ الشخص إذا أراد أن يأمر ولده بإكرام جاره المسلم فلا يكتفي عادةً بقوله : « أكرِم الجار » ، بل يقول : « أكرِم الجارَ المسلم » ، وأمّا إذا كان يريد من ولده أن يُكرِم جاره مهما كان دينه فيقول : « أكرم الجار » ، ويطلق كلمة « الجار » ـ أي لا يقيّدها بوصفٍ خاصٍّ ـ ويفهم من قوله عندئذٍ أنّ الأمر لا يختصّ بالجار المسلم ، بل يشمل الجار الكافر أيضاً ، وهذا الشمول نفهمه نتيجةً لذكر كلمة « الجار » مجرّدةً عن القيد ، ويسمّى هذا بـ « الإطلاق » ويسمّى اللفظ في هذه الحالة « مطلقاً ».
وعلى هذا الأساس يعتبر تجرّد الكلمة من القيد اللفظيّ في الكلام دليلاً على شمول الحكم ، ومثال ذلك من النصّ الشرعيّ قوله تعالى : « أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ » (١) ، فقد جاءت كلمة « البيع » هنا مجرّدةً عن أيِّ قيدٍ في الكلام ، فيدلّ هذا الإطلاق على شمول الحكم بالحلّيّة لجميع أنواع البيع.