التزم المحقق النائينى قدس سره (١) بوجود هذه العناية بناء على ما تبناه من مسلك جعل الطريقية ، فهو يقول : إن مفاد دليل الحجية جعل الامارة علما ، وبهذا يكون حاكما على دليل الحكم الشرعى المرتب على القطع ، لانه يوجد فردا جعليا وتعبديا لموضوعه ، فيسرى حكمه إليه.
غير انك عرفت فى بحث التعارض من الحلقة السابقة (٢) ان الدليل الحاكم إنما يكون حاكما اذا كان ناظرا الى الدليل المحكوم ، ودليل الحجية لم يثبت كونه ناظرا الى أحكام القطع الموضوعى ، وانما المعلوم فيه نظرة الى تنجيز الاحكام الواقعية المشكوكة ، خاصة اذا كان دليل الحجية للامارة هو السيرة العقلائية ، إذ لا انتشار للقطع الموضوعى فى حياة العقلاء لكى تكون سيرتهم على حجية الامارة ناظرة الى القطع الموضوعى والطريقى معا.
يحرم إسناد ما لم يصدر من الشاعر اليه ، لأنه كذب. ويحرم أيضا إسناد ما لا يعلم صدوره منه اليه ، وان كان صادرا فى الواقع ، وهذا يعنى إن القطع بصدور الحكم من الشارع ، طريق لنفى موضوع الحرمة الاولى ، فهو قطع طريقى. وموضوع لنفى الحرمة الثانية ، فهو من هذه الناحية قطع موضوعى.
وعليه فاذا كان الدليل قطعيا انتفت كلتا الحرمتين ، لحصول القطع ، وهو طريق الى أحد النفيين وموضوع للاخر. واذا لم يكن الدليل
ــــــــــــــــ
(١) فوائد الاصول : ج ٣ ص ٢٥.
(٢) راجع : ج ١ ص ٤٥٧.