الواقع .. أن نتيجة ذلك كانت وبالا على العباسيين : « ولا يحيق المكر السيّئ إلا بأهله .. ». فقد كان الناس مستائين جدا من سيرتهم السيئة وسيرة ولاتهم مع الرعية ، وكان من الطبيعي جدا أيضا : أن يثير الناس ويسوؤهم ما كانوا يرونه من تميعهم الشديد في حياتهم الخاصة ، وإيثارهم اللذات المحرمة على كل شيء ، حتى قد يبلغ الأمر بالخليفة منهم أن يحتجب عن الناس منهمكا بلذاته وشهواته .. وقد كان الرشيد يحمد الله على أن أراحه البرامكة من أعباء الحكم (١) ، وتركوه ينصرف إلى ما يندى له جبين الانسان الحر ألما وخجلا ، وكذلك كانت حال والده المهدي من قبل ، وعلى ذلك جرى ولده الأمين من بعد .. وغيرهم وغيرهم ممن لا نرى ضرورة لتعداد أسمائهم .. وحسبنا تلك الشواهد الكثيرة في التاريخ ، الذي قد لا تمر بصفحة منه ، فيها حديث عن الخلفاء ، إلا وتجد فيها ما لا يسر ، وما لا يغبط عليه أحد ..
وكان مما ساعد على إدراك الناس لحقيقة نوايا العباسيين ، وواقعهم ، الذي طالما جهدوا في التستر عليه ، واخفائه ، بحيث لم يعد ثمة شك في انهم ليسوا بأفضل من الامويين ، إن لم يكونوا اكثر منهم سوءا .. هو ما كانوا يرونه من معاملتهم لبني عمهم آل أبي طالب ، الذين ضحوا بكل شيء في سبيل هذا الدين ، وأعطوا وبذلوا حتى أرواحهم في سبيل هذه الامة .. والذين كانوا هم الأمل الحي لهذه الامة المضطهدة ، والمغلوبة على أمرها ، التي كانت ترى فيهم كل الفضائل ، والكمالات الانسانية .. والذين كان من الواضح لدى كل أحد أن وجود العباسيين في الحكم مدين لهم ، أكثر من غيرهم على الاطلاق ..
__________________
(١) الوزراء والكتاب ص ٢٢٥.