البغيض ، حتى في تدوين التاريخ نفسه.
وإنه لمما يدمي قلوبنا ، ويملأ نفوسنا أسى وألما ، أن نكون قد فقدنا تاريخنا ، ودفناه تحت ركام من الانانيات ، والعصبيات ، والأطماع الرخيصة ، حتى لم يبق منه سوى الرسوم الشوهاء ، والذكريات الشجية ..
ومرة أخرى أقول : إن كل ما لدينا هو ـ فقط ـ تاريخ الحكام والسلاطين ، الذين تعاقبوا على كراسي الحكم. وحتى تاريخ الحكام هذا ، رأيناه مشوها ، وممسوخا ؛ حيث لم يستطع أن يعكس بأمانة وحيدة الصورة الحقيقية لحياة أولئك الحكام ، وأعمالهم وتصرفاتهم ؛ وما ذلك إلا لأن المؤرخين لم يكونوا أحرارا في كتابتهم للتاريخ. بل كانوا يؤرخون ويكتبون حسب ما يريده الحكام أنفسهم ، ويخدم مصالحهم .. إما رهبة من هؤلاء الحكام ، او رغبة ، او تعصبا لمذهب ، أو لغيره ..
ومن هنا .. فليس من الغريب جدا أن نرى المؤرخ يعتني بأمور تافهة وحقيرة ؛ فيسهب القول في وصف مجلس شراب ، أو منادمة ، حتى لا يفوته شيء منه ، أو يختلق ويفتعل أحداثا لم يكن لها وجود إلا في عالم الخيالات والأوهام ، أو يتكلم عن أشخاص لم يكن لهم شأن يذكر ، بل قد لا يكون لهم وجود أصلا .. بينما نراه في نفس الوقت يهمل بالكلية شخصيات لها مكانتها ، وخطرها في التاريخ ، أو يحاول تجاهل الدور الذي لعبته فيه .. ويهمل أو يشوه أحداثا ذات أهمية كبرى ، صدرت من الحاكم نفسه ، أو من غيره ، ومن بينها ما كان له دور هام في حياة الأمة ، ومستقبلها ، وأثر كبير في تغيير مسيرة التاريخ ، أو يحيطها ـ لسبب أو لآخر ـ بستار من الكتمان ، والابهام.
وفي طليعة تلك الأحداث التي كان نصيبها ذلك : « البيعة للامام