يونانيا ، ثم أخطأ خليفة في السياسة ، فاتخذ من سعة الإسلام سبيلا إلى ما كان يظنه خيرا : ظن أن الجيش العربي قد يكون عونا لخليفة علوي ؛ لأن العلوي الصق ببيت النبي (ص) ؛ فأراد أن يتخذ له جيشا أجنبيا من الترك والديلم وغيرهم من الامم التي ظن أنه يستعبدها بسلطانه ، ويصطنعها باحسانه ؛ فلا تساعد الخارج عليه ، ولا تعين طالب مكانه من الملك .. » (١).
وعلى كل حال .. فإننا إذا أردنا تقييم تلك الثورات ، التي كانت تواجه الحكم العباسي ، فإننا سوف نجد : أن ما كان يكمن فيه الخطر الحقيقي هو ثورات العلويين ، لانها كانت تظهر في مناطق حساسة جدا في الدولة ؛ ولأنها كانت بقيادة أولئك الذين يمتلكون من قوة الحجة ، والجدارة الحقيقية ، ما ليس لبني العباس فيه أدنى نصيب ..
وكان في تأييد الناس لهم ، واستجابتهم السريعة لدعوتهم دلالة واضحة على شعور الامة ، بمختلف طبقاتها ، وفئاتها تجاه حكم العباسيين ، ونوعية تفكيرها تجاه خلافتهم ، وعلى مدى الغضب الذي كان يستبد بالنفوس ؛ نتيجة استهتار العباسيين ، وظلمهم ، وسياساتهم الرعناء ، مع الناس عامة ، ومع العلويين بشكل خاص ..
وقد كان المأمون يعلم أكثر من أي شخص آخر ، كم سوف يكون حجم الكارثة ، لو تحرك الإمام الرضا ـ الذي اهتبل فرصة الحرب بينه وبين أخيه ، لتحكيم مركزه ، وبسط نفوذه ضد الحكم القائم ..
__________________
(١) الاسلام والنصرانية للشيخ محمد عبده.