وبعد كل ما تقدم .. فإن من الأهمية بمكان ، أن نشير هنا ، إلى أن العلويين ، وقسما كبيرا من الناس ، بل وعامة المسلمين ، لم يكونوا قد بايعوا المأمون أصلا :
فأما أهل بغداد ؛ فحالهم في الخلاف عليه أشهر من أن يذكر ، وقد قدمنا في أول هذا الفصل عبارته في رسالته ، التي كان قد أرسلها للعباسيين في بغداد ..
وأما أهل الكوفة ـ التي كانت دائما شيعة علي وولده ـ فلم يبايعوا له ، بل بقوا على الخلاف عليه ، إلى أن ذهب أخو الإمام الرضا (ع)!! العباس بن موسى ، يدعوهم ، فقعدوا عنه ، ولم يجبه إلا البعض منهم ؛ وقالوا : « إن كنت تدعو للمأمون ، ثم من بعده لأخيك ؛ فلا حاجة لنا في دعوتك ، وإن كنت تدعو إلى أخيك ، أو بعض أهل بيتك ، أو إلى نفسك ؛ أجبناك .. » (١).
ويلاحظ هنا : كيف قد اختير رجل علوي ، وأخو الإمام الرضا (ع) بالذات ؛ ليرسل إلى الكوفة ، المعروفة بالتشيع للعلويين .. ويلاحظ أيضا : أن رفضهم الاستجابة له ، إنما كان لأجل أن الدعوة تتضمن الدعوة للمأمون العباسي.
وأما أهل المدينة ، ومكة ، والبصرة ، وسائر المناطق الحساسة في
__________________
(١) الكامل لابن الأثير ج ٥ ص ١٩٠ ، وتجارب الامم ج ٦ المطبوع مع العيون والحدائق ص ٤٣٩. وفي تاريخ الطبري ج ١١ ص ١٠٢٠ ، طبع ليدن ، وتاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ٢٤٨ : أنه قد أجابه قوم كثير منهم ، ولكن قعد عنه الشيعة وآخرون .. لكن ظاهر حال الكوفة التي كانت دائما شيعة علي وولده هو أن المجيبين له كانوا قلة .. كما ذكر ابن الأثير.