تلك هي باختصار حالة الحكم العباسي بشكل عام ، وحالة المأمون ، وظروفه في الحكم بشكل خاص .. في تلك الفترة من الزمن .. وقد اتضح لنا بجلاء : أن الوضع كان بالنسبة إلى المأمون ، ونظام حكمه ، قد ازداد سوءا ، بعد وصول المأمون إلى الحكم ، وتضاعفت الأخطار ، التي كان يواجهها ، وأصبح ـ هو وعرشه ـ في مهب الريح ، وتحت رحمة الأنواء .. وإذا كان ليس من الصعب علينا : أن نتصور مدى الخطر الذي كان يتهدد المأمون ، وخلافته ، وبالتالي مستقبل الخلافة العباسية بشكل عام .. فإنه من الطبيعي أن لا يكون من الصعب على المأمون أفعى الدهاء والسياسة أن يدرك ـ بعمق ، إلى أي حد كان مركزه ضعيفا ، وموقفه حرجا ؛ حيث إنه هو الذي كان يعيش ـ أكثر من أي إنسان آخر ـ في ذلك الخضم الزاخر بالمشاكل ، والمتاعب ، والأخطار. وخصوصا وهو يواجه الثورات ، وبالأخص ثورات العلويين ، أقوى خصوم الدولة العباسية ، تظهر من كل جانب ومكان ، وكل ناحية من نواحي مملكته .. كما أنه لم يكن ليصعب عليه أن يدرك أن الكثير من المشاكل التي يعاني منها إنما كان نتيجة السياسات الرعناء ، التي انتهجها اسلافه ، مع الناس عامة ، ومع العلويين خاصة. وأن يدرك أن الاستمرار في تلك السياسة. أو حتى مجرد الإهمال ، والتواني في علاج الوضع ، سوف يكون من ابسط نتائجه أن تلقى خلافة العباسيين على ايدي العلويين نفس المصير الذي لقيته خلافة الامويين على أيدي أسلافه من قبل ..
ولكن .. وبعد أن نجح المأمون في الوصول إلى ما كان يتمناه ، وهو