لولي عهده ، الذي لم يقبل إلا بعد التهديد بالقتل .. كان ينطوي في بادئ الرأي على مغامرة لا تنسجم مع ما هو معروف عن المأمون من الدهاء والسياسة ؛ إذا ما أخذت مكانة الإمام (ع) ، ونفوذه بنظر الاعتبار ، سيما مع ملاحظة : أنه هو الذي كان يشكل أكبر مصدر للخطر على المأمون ، ونظام حكمه ؛ حيث إنه كان يحظى بالاحترام والتقدير ، والتأييد الواسع في مختلف الفئات والطبقات في الامة الاسلامية.
ولكننا إذا دققنا الملاحظة نجد أن المأمون لم يقدم على اختيار الإمام وليا للعهد ، إلا وهو على ثقة من استمرار الخلافة في بني أبيه ؛ حيث كان الإمام (ع) يكبره بـ (٢٢) سنة ؛ وعليه فجعل ولاية العهد لرجل بينه ، وبين الخليفة الفعلي هذا الفارق الكبير بالسن ، لم يكن يشكل خطرا على الخلافة ؛ إذ لم يكن من المعروف ، ولا المألوف أن يعيش ولي العهد ـ وهو بهذه السن المتقدمة ـ لو فرض سلامته من الدسائس والمؤامرات!! .. إلى ما بعد الخليفة الفعلي ، فإن ذلك من الامور التي يبعد احتمالها جدا ..
هـ ـ : ولهذا .. ولأن ما أقدم عليه لم يكن منتظرا من مثله ؛ وهو الذي قتل أخاه من أجل الخلافة والملك ، ولأنه من تلك السلالة المعادية لأهل البيت عليهمالسلام .. احتاج المأمون إلى أن يثبت صدقه ، واخلاصه فيما أقدم عليه ، وأن يقنع الناس بصفاء نيته ، وسلامة طويته .. فأقدم لذلك .. على عدة أعمال :
فأولا : أقدم على نزع السواد شعار العباسيين ، ولبس الخضرة شعار العلويين وكان يقول : انه لباس أهل الجنة (١). حتى إذا ما انتهى دور هذه الظاهرة بوفاة الإمام الرضا (ع) ، وتمكنه هو من دخول بغداد
__________________
(١) الإمام الرضا ولي عهد المأمون ص ٦٢ عن ابن الأثير.