لخير دليل على مدى تحرر الشيعة في زمن الرضا ، واتساع نفوذهم ، وعلى أن شخصية الرضا (ع) ، كانت قد استقطبت قطاعا واسعا ، إن لم نقل : أنه القطاع الأكبر من الامة الاسلامية ، في طول البلاد وعرضها ، في تلك الفترة من الزمن ، وقد تقدم بعض ما يدل على ذلك ، فلا نعيد.
هذا .. ونستطيع أن نقول أيضا : إنه كان يريد أن يقوي من دعائم حكمه ، حيث قد أصبح الحكم يمتلك شخصية تعنو لها الجباه بالرضا والتسليم. ولقد كان الحكم بأمس الحاجة الى شخصية من هذا القبيل .. في مقابل أولئك المتزلفين القاصرين ، الذين كانوا يتجمعون حول الحكم العباسي ، طلبا للشهرة ، وطمعا بالمال ، والذين لم يعد يخفى على أحد حالهم ومآلهم .. وعلى الأخص بعد أن رأى فشلهم في صد حملات علماء الملل الاخرى ، والذين كانوا قد ضاعفوا نشاطاتهم ، عند ما رأوا ضعف الدولة ، وتمزقها ، وتفرقها الى جماعات وأحزاب ..
نعم .. لقد كان الحكم يحتاج إلى العلماء الاكفاء ، والأحرار في تفكيرهم ، وفي نظرتهم الواعية للانسان والحياة ، ولم يعد بحاجة الى المتزلفين ، والجامدين ، والانهزاميين ، ولهذا نراه يستبعد أصحاب الحديث الجامدين ، الذين كان أكثرهم في الجهة المناوئة له ، يشدون من أزرها ، ويقيمون أودها .. ويقرب المعتزلة : كبشر المريسي ، وأبي الهذيل العلاف وأضرابهما. ولكن الشخصية العلمية ، التي لا يشك أحد في تفوقها على جميع أهل الأرض علما وزهدا ، وورعا وفضلا الخ .. كانت منحصرة في الامام الرضا (ع) ، باعتراف من نفس المأمون ، كما قدمنا ، ولهذا فقد كان الحكم يحتاج إليها أكثر من احتياجه لأية شخصية اخرى ، مهما بلغت.