ولعل من الأهمية بمكان بالنسبة إليه ، أنه يكون في تلك الفترة المليئة بالقلاقل والثورات ، قد أتى الامة بمفاجئة مثيرة ، من شأنها أن تصرف أنظار الناس عن حقيقة ما يجري ، وما يحدث ، وعن واقع المشاكل التي كان يعاني الحكم والامة منها ، وما أكثرها ..
وقد عبر ابراهيم بن المهدي ، عن دهشة بني العباس في أبياته المتقدمة .. حتى لقد ذهل ـ على حدّ قوله ـ الحواضن عن بنيها! وصد الثدي عن فم الصبي!! »
وبعد هذا .. فلسنا بحاجة إلى كبير عناء ، لإدراك مدى دهشة غيرهم : ممن رأوا وسمعوا بمعاملة العباسيين لأبناء عمهم. ولسوف ندرك مدى عظمة دهشتهم تلك إذا ما لا حظنا : أنهم كانوا سياسيا أقل وعيا وتجربة من مثل ابراهيم بن المهدي ، الذي عاش في أحضان خلافة. كان بمرأى ومسمع من الأعيب السياسة ، ومكر الرجال ..
هذا .. طبيعي بعد هذا : أنه قد أصبح يستطيع أن يدعي ، بل لقد ادعى بالفعل ـ على ما في وثيقة العهد ـ : أن جميع تصرفاته ، وأعماله ، لم يكن يهدف من ورائها ، إلا الخير للامة ، ومصلحة المسلمين ، وحتى قتله أخاه ، لم يكن من أجل الحكم ، والرئاسة ، بقدر ما كان من أجل خير المسلمين ، والمصلحة العامة ، يدل على ذلك : أنه عند ما رأى أن خير الامة ، إنما هو في اخراج الخلافة من بني العباس كلية ، وهم الذين ضحوا الكثير في سبيلها ، وقدموا من أجلها ما يعلمه كل أحد ـ عند ما رأى ذلك ـ وأن ذلك لا يكون إلا باخراجها إلى ألد أعدائهم ،