وعلى كل حال ، فان هذا اسلوب قديم اتبعه العباسيون في دعوتهم الاولى أيضا ، حيث بايعوا للعلويين ، وأظهروا أن الدعوة لهم وباسمهم .. ثم كانت النتيجة هي ما يعلمه كل أحد ، حيث انقلبوا عليهم يوسعونهم قتلا وعسفا ، وتشريدا عند ما خافوهم ، ولم يعودوا بحاجة إليهم ..
هـ ـ : أضف إلى ما تقدم أن المأمون كان يعلم قبل أي شخص آخر بطبيعة العلاقات التي كانت قائمة بين الأئمة (ع) ، وبين الزيدية ، حيث إنها كانت على درجة من السوء والتدهور. وكان عدم التفاهم ، والانسجام فيما بينهم واضحا للعيان .. حتى لقد شكى الائمة (ع) منهم ، وصرحوا : بأن الناس قد نصبوا العداوة لشيعتهم ، أما الزيدية فقد نصبوا العداوة لهم أنفسهم (١) ، وفي الكافي رواية مفادها : إنه (ع) قال إنهم قبل أن يصلوا إلى الحكم كانوا لا يطيعونهم فكيف تكون حالهم معهم لو أنهم وصلوا إلى الحكم وتبوعوا كرسي الرئاسة.
__________________
(١) راجع : الوافي للفيض ج ١ ص ١٤٣ ، باب : الناصب ومجالسته ..
هذا .. ولا يمنع ذلك ما ورد عنهم عليهالسلام من أن خروج الزيدية وغيرهم على الحكام يدرءوا به عنهم ، وعن شيعتهم : فقد جاء في السرائر قسم المستطرفات ص ٤٧٦ أنه : « ذكر بين يدي أبي عبد الله من خرج من آل محمد (ص) ؛ فقال عليهالسلام : لا أزال أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد إلخ .. ». وذلك لأن اصطدامهم مع الحكام كان يصرف أنظار الحكام إليهم ، ويفسح المجال أمام أهل البيت وشيعتهم إلى حد ما. ولم يكن هناك مجال لاتهام الأئمة وشيعتهم بالتواطؤ معهم ، مع ما كان يراه الحكام من عدم الانسجام الظاهر بين الأئمة وبين الزيدية ، وغيرهم من الثائرين وسلبية كل فريق منهما تجاه الآخر ..
وأخيرا .. فلا بد لنا هنا من الاشارة إلى أن ثورات العلويين ، سواء على الحكم الاموي ، أو الحكم العباسي ، قد ساهمت في أن يبقى حق العلويين في الحكم محتفظا بقوته وحيويته في ضمير الامة ، ووجدانها. ولم تؤثر عليه حملات القمع والتضليل ، التي كان الحكم القائم آنذاك يمارسها ضدهم ، وضد هذا الحق الثابت لأهل البيت عليهمالسلام بالنص.