فلا يجب أن يكون من العسير على الناس أن يتصوروا طبيعة وماهية حكم الإمام ، وكل من يقدر له أن يصل إلى الحكم والسلطان ، سواء من العلويين ، أو من غيرهم ..
وإذا كانت الصورة واحدة ، والجوهر واحد ، والاختلاف إنما هو فقط في الاسم والعنوان ، فليس لهم بعد حق ، أو على الأقل ما الداعي لهم ، لأن يطلبوا حكما أفضل ، أو حكاما أعدل ، فانه طلب لغير موجود ، وسعي وراء مفقود ..
هذا .. وبعد أن يكون المأمون قد حصل على كل ما قدمناه ، وحقن دماء العباسيين ، واستوثقت له الممالك ، ولم يعد هناك ما يعكر صفو حياته (١). وقوي مركزه ، وارتفع بالخلافة من الحضيض المهين ، الذي أوصلها إليه أسلافه إلى أوج العظمة ، والتمكن والمجد. وأعطاها من القوة والمنعة ، ووهبها من الحياة في ضمير الامة ووجدانها ما هي بأمس الحاجة إليه .. ولتتمكن من ثم من الصمود في وجه أية عاصفة ، وإخماد أية ثورة ، ومقاومة كل الأنواء ، وذلك هو حلمه الكبير ، الذي طالما جهد في تحقيقه ـ إنه بعد أن يكون قد حصل على كل ذلك وسواه مما قدمناه :
__________________
(١) لقد صرح الذهبي في الجزء الأول من كتابه « العبر » ، بأنه في سنة ٢٠٠ ه. استوثقت الممالك للمأمون .. وهذه هي نفس السنة التي اتي فيها بالامام عليهالسلام من المدينة إلى مرو .. ولكن اليافعي في مرآة الجنان ج ٢ ص ٨ وشذرات الذهب ج ٢ ص ٥ : قد جعل ذلك في سنة ٢٠٣ : أي في السنة التي تخلص فيها المأمون من الامام الرضا ٧ بواسطة السم الذي دسه إليه .. وفي اليعقوبي ج ٢ ص ٤٥٢ طبع صادر : أنه في السنة التي غادر فيها المأمون خراسان : « لم تبق ناحية من نواحي خراسان يخاف خلافها ».