إنه يريد أن : « .. يعتقد فيه المفتونون به بأنه : ليس مما ادعى في قليل ولا كثير .. » حسبما صرح به هو نفسه .. وعلى حد قول الإمام نفسه ، الذي كان يدرك خطة المأمون هذه : « .. أن يقول الناس : إن علي بن موسى ، لم يزهد في الدنيا ، بل زهدت الدنيا فيه ؛ ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا بالخلافة؟! .. ». كما سيأتي ..
وعن الريان قال : « دخلت على الرضا ؛ فقلت : يا ابن رسول الله ، إن الناس يقولون : إنك قبلت ولاية العهد ، مع إظهارك الزهد في الدنيا؟!! ، فقال (ع) : قد علم الله كراهتي .. » (١) وقد أشرنا إلى سؤال محمد بن عرفة ، وكلام الريان فيما تقدم.
وعلى أي شيء يبكي المأمون ، ومن أجل أي شيء يشقى ويتعب ، ويسهر الليالي ، ويتحمل المشاق .. إلا على هذا .. إن هذا هو أجل أمنياته واغلاها ..
قد يدور بخلد القارئ أن ما ذكرناه هنا : فيما يتعلق بالفارق الكبير بالسن ، ينافي ما تقدم من أن المأمون كان يريد الحصول على قاعدة شعبية ، والارتفاع بالخلافة من الحضيض الخ ..
ولكن الحقيقة هي : أنه لا منافاة هناك .. ويمكن للمأمون أن يقصد كل ذلك من البيعة ، لأن مقدار التفاوت بالسن بين الامام (ع) والمأمون ، لم يكن مما يعرفه الكثيرون ، ولا مما يلتفت إليه عوام الناس في بادئ
__________________
(١) علل الشرائع ص ٢٣٨ ، والبحار ج ٤٩ ص ١٣٠ ، وأمالي الصدوق ص ٤٤ ، ٤٥.