يصلي في بيت المال ركعتين شكرا لله ، بعد فراغ المال منه. وكان يقول : « إليك عني يا دنيا غري غيري ، أبي تعرضت؟!! إلخ .. » وهو الذي قال فيه عدوه معاوية : « لو كان له بيتان : بيت من تبر ، وآخر من تبن ؛ لأنفق تبره قبل تبنه .. » (١) .. إلى غير ذلك مما لا مجال لنا لتتبعه واستقصائه ..
إن نوايا المأمون تجاه العلويين ، ومحاولاته لإسقاطهم اجتماعيا ، وابتزازهم سياسيا .. حتى إذا أخفق في ذلك راح يختلهم واحدا فواحدا ، كلما واتاه الظرف ، وسنحت له الفرصة .. لم يكن العلويون يجهلونها ، بل كانوا يدركونها كل الإدراك ، ولم تكن تخدعهم تلك الشعارات والأساليب المبهرجة .. وحسبنا هنا أن نذكر في مقام التدليل على هذا : أن المأمون كتب لعبد الله بن موسى ، بعد وفاة الرضا ، يعده بأنه يجعله ولي عهده ، ويقول له : « ما ظننت أن أحدا من آل أبي طالب يخافني بعد ما عملته بالرضا » ..
فأجابه عبد الله يقول : « وصل إليّ كتابك ، وفهمته ، تختلني فيه عن نفسي ختل القانص ، وتحتال علي حيلة المغتال ، القاصد لسفك دمي. وعجبت من بذلك العهد ، وولايته لي بعدك ، كأنك تظن : أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا؟! ففي أي شيء ظننت أني أرغب من ذلك؟ أفي الملك الذي غرتك حلاوته؟! .. إلى أن يقول : أم في العنب المسموم الذي قتلت به الرضا؟! ». ويقول له أيضا ـ والظاهر أنه نص آخر للرسالة ـ : « هبني لا ثأر لي عندك ، وعند آبائك المستحلين لدمائنا الآخذين حقنا ، الذين جاهروا في أمرنا ، فحذرناهم. وكنت ألطف حيلة منهم ؛ بما استعملته من الرضا بنا ، والتستر لمحننا ، تختل واحدا ،
__________________
(١) ترجمة الامام علي (ع) من تاريخ ابن عساكر ، بتحقيق المحمودي ج ٣ ص ٥٨ ـ ٦٠.