ولكن أنى له أن يتركه المأمون ، الذي كان يريد التخلص منه ، من أجل أن ترضى عنه بغداد ، مضافا إلى أنه هو أيضا كان يخشاه ويخافه ..
فلقد كان قد أعدّ العدة ، وأحكم الخطة في أمره ، ولم يبق إلا التنفيذ ( كما سيأتي بيانه ) ..
وبعد أن يئس الفضل من اقناع المأمون ، حاول أن يحتاط لنفسه ما أمكنه ذلك ، فطلب منه أن يكتب له كتاب ضمان وأمان ، فاستجاب المأمون لهذا الطلب ، وكتب له كتابا (١) ، يسمى كتاب الحياء والشرط يظهر بوضوح الدور الذي لعبه الفضل في تشييد صرح خلافة المأمون ، وتوطيد سلطانه.
ونلاحظ : أن المأمون قد كتب للفضل كل ما يريد ، بل وزاد على ما كان يتوقعه الفضل الشيء الكثير ، إذ لم يكن يرى في ذلك أي ضرر عليه ، ما دام أنه قد أحكم الخطة ، ودبر له النهاية.
وكما رسم ودبر .. كانت النهاية!! ..
وهكذا .. فإننا بعد كل ما تقدم ، لا نرى مجالا للإصرار على نسبة التشيع للفضل ، أو القول : بأن المأمون كان واقعا في أمر البيعة تحت تأثيره ، وخاضعا لارادته ، فقد يكون الفضل قد أعطي أكثر مما يستحقه من النفوذ والقدرة .. ولعل إصرار أولئك أو هؤلاء على اتهام الفضل بذلك ، حتى وإن أنكره المأمون نفسه ، وكذبته جميع الوقائع والأحداث ـ لعله ـ يرجع إلى حرصهم على أن لا يتهم المأمون ـ السلطة ـ بما
__________________
(١) الكتاب موجود في : البحار ج ٤٩ ص ١٦٠ ، ١٦٢ ، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٥٧ ، ١٥٩ ، وأوعز إليه اليعقوبي في تاريخه ج ٢ ص ٤٥١ طبع صادر