على أننا لا نستبعد كثيرا .. أن يكون المأمون نفسه قد شجع وغذى هذه التبريرات والتمويهات ، وخصوصا بعد مقتل الفضل ، ليبرئ نفسه أمام العباسيين ، وليشوه الفضل .. كما أننا لا نشك أبدا في أن كثيرا مما يذكر عن الأمين هو في عداد الخرافات والأساطير ، التي شجعها المأمون وحزبه ، لأن الأمين كان هو المغلوب ، والمأمون كان هو الغالب .. وللغالب القدرة ، بل والحق أيضا ـ في نظر قاصري النظر ـ في أن يشوه المغلوب ، ويصوره بالصورة التي يريد ..
ويدلنا على أن المأمون هو المسئول عن ذلك ، ما رواه الحصري في زهر الآداب من : « أنه لما خلع المأمون أخاه الأمين ، ووجه بطاهر ابن الحسين لمحاربته ، كان يعمل كتبا بعيوب أخيه ، تقرأ على المنابر بخراسان الخ .. » (١). وطبيعي بعد ذلك : أن على الكتاب والمؤرخين الذين ما كانوا أحرارا ، ولا يعتمدون النزاهة في كتاباتهم : أن يؤرخوا كما يريد المأمون ، وأن يكتبوا ما يمليه عليهم ، لا ما هو حق وواقع .. يرونه بام أعينهم. أو تحكم به ـ إن كانت ـ ضمائرهم ..
وأخيرا .. وإذا تحقق أن الفضل بريء من تهمة التشيع ، وتهمة تدبير أمر البيعة الاعلى نحو التآمر ، فلا يعني ذلك أنه بريء مما هو أشنع من ذلك وأقبح « فكل إناء بالذي فيه ينضح » ..
__________________
(١) راجع : امراء الشعر العربي في العصر العباسي ص ٨٦ ، نقلا عن : زهر الآداب ج ٢ ص ١١١ ، تحقيق زكي مبارك ، وطبع دار الجيل ج ٢ ص ٤٦٤.