ولعلنا نستطيع أن نجد فيما قدمناه في هذا الكتاب ما يفسر لنا موقف الإمام (ع) من المأمون .. ذلك الموقف الذي لم يكن يتسم بالمهادنة ، أو الموافقة أصلا. بل كان قاسيا وعنيفا في مقابل عرض المأمون للخلافة عليه ، كما ألمحنا إليه في باب : « عرض الخلافة ، ورفض الإمام ».
وما ذلك .. إلا لأنه كان يعلم أنها لعبة خطيرة ، تحمل في طياتها الكثير من المشاكل والأخطار ، وسواء بالنسبة إليه (ع) ، أو بالنسبة إلى العلويين ، أو بالنسبة إلى الامة بأسرها ..
ولقد كان (ع) يدرك : أن المأمون كان يرمي من وراء هذا العرض إلى أن يعرف حقيقة نوايا الامام (ع) ، ويستظهر دخيلة نفسه ، حتى إذا ما رآه راغبا فيها رغبة حقيقية ، سقاه الكأس ، التي سقاها من قبل لمحمد بن محمد بن يحيى بن زيد ، صاحب أبي السرايا ، ومن بعد لمحمد بن جعفر ، وطاهر بن الحسين ، وغيرهم ، وغيرهم .. وانه كان يريد أن يجعل ذلك ذريعة لفرض ولاية العهد ، وتمهيدا لإجباره على قبولها ؛ لأن ما يحقق له مآربه ، ويوصله إلى غاياته ، التي تحدثنا عن جانب منها في فصل : ظروف البيعة .. هو قبول الإمام لولاية العهد ، لا الخلافة .. كما أن هذا هو الذي يمكن أن يكون ممهدا لتنفيذ الجزء التالي من خطته ، ألا وهو القضاء على العلويين بالقضاء على أعظم شخصية فيهم.
ومن ثم .. وبعد كل ما تقدم .. تكون النتيجة هي : أن المأمون لم يكن جادا في عرضه للخلافة ، وإنما فقط كان جادا في عرضه لولاية العهد ..